ما هي خلفيات المخاوف الدرزية؟

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

في العام 1984 قدَّم الموحدون المسلمون الدروز مذكرة مطلبية، موقعة من شيخ عقل الطائفة  في حينها المرحوم محمد ابو شقرا ومن الزعيمين وليد جنبلاط والمغفور له مجيد ارسلان. عبرت المذكرة عن اهم الهواجس التي تختلِج في اذهان اغلبية ابناء الطائفة، خصوصاً لناحية تهميش مواقعهم داخل مؤسسات الحكم في الدولة اللبنانية. لأن هذه المواقع موزَّعة  على الطوائف والمذاهب المختلفة المكوِّنة للبنان وفقاً لواقع الحال. وطالبوا بتفعيل هذا التمثيل، وإنشاء مجلس شيوخ تعود رئاسته لأحد ابناء الطائفة، وإعادة النظر في توزيع مناصب الفئة الاولى، كما طالبت المُذكرة حرفياً؛ “بتعزيز صلاحية رئيس الاركان في الجيش” كون المنصب مُخصص لإحد الضباط الدروز، ولكن صلاحياته مختلفة تماماً عن الصلاحيات التي تُعطى لرئاسة الاركان في الجيوش، ومعظم صلاحياته حالياً لها طابع إداري، او انها تأتي من المهام التي يكلفه بها قائد الجيش.

يقول مصدر على إطلاع واسع بكامل حيثيات ملف المطالب الدرزية: ان الايجابية التي تعاطى بها الدروز في مرحلة الإعداد لإتفاق الطائف عام 1989 وما بعدها؛ كان لها أثر واسع على تكريس بعض الاعراف التي لم تكُن في مصلحتهم. وكان الهم الاساسي للنائب وليد جنبلاط في حينها؛ مُنصبٌّ على إعادة المُهجرين الى الجبل، وإجراء المصالحات – خصوصاً بين المسيحيين والدروز – وقد تولَّى وزارة المهجرين لهذه الغاية، والهم الوطني غَلَبَ على المطالب الفئوية عند جنبلاط، لأنه يترأس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يضم في صفوفه عدد كبير من الاعضاء والمناصرين من الطوائف اللبنانية كافة، إضافة لكونه – اي جنبلاط – يحضى بتأييد اغلبية ساحقة من ابناء الطائفة الدرزية.

وفي مرحلة تأسيس دولة ما بعد الطائف؛ كان تأثير القيادة السورية كبيرٌ جداً على لبنان، وهي ارست بعض الاعراف التي لم تَكُن لصالح الدروز، لاسيما في تركيبة الحكومات وتوزيع المقاعِد النيابية، وفي تكريس بعض وظائف الفئة الاولى لطوائف محددة – (ومنها وظائف لم تَكُن موجدودة قبل الطائف) – على غير ما جاء في إتفاق الطائف الذي وزَّع مناصب الفئة الاولى؛ مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، ولكن من دون تخصيص اي وظيفة لأي طائفة ( وفقاً لما جاء في المادة 95 من الدستور). ولكن تركيبة ما بعد الطائف حفظت لجنبلاط، وللجبل بشكلٍ عام؛ مكانة مُتقدِّمة في المعادلة السياسية اللبنانة.

يشعُر الدروز اليوم؛ ان دورهم في تركيبة الدولة يتقلَّص، كما ان دورهم السياسي مُهدد من جراء بعض الإقتراحات التي تهدُف لإقرار قانون إنتخابي جديد، يكونُ بمثابة المحدلة للقوى الاكثر عددا. وهذا الامر لا يمكن لهم التسامُح فيه – خصوصاً في الجبل – لأنه قد يحولهم الى مواطنيين من درجة ثانية. والجدير بالذكر ان قانون الانتخابات الحالي – او ما يُعرف بقانون الستين – تم وضعه بعد إنتفاضة العام 1958، ايام الرئيس فؤاد شهاب، وعندها كان رئيس الجمهورية “الماروني” لديه صلاحيات مُطلقة في السلطة الإجرائية.

التعبئة السياسية في البيئات الدرزية عالية جداً هذه الايام، وهناك إحتقان في صفوف رجال الدين والمدنيين على السواء، لاسيما بعد تصريحات النائب جنبلاط الاخيرة ( وفقاً لتوصيف المصدر الدرزي المُطلع المذكور اعلاه ).

يقول المصدر ذاته: ان غبن كبير يطال الدروز في المواقع الحساسة في الدولة ( اي في وظائف الفئة الاولى والمواقع الأُخرى ) ويتابع: فليأخذ الآخرون كل المواقع الادارية والامنية المخصصة حالياً للدروز، وليعطوأ الدروز إثنين او ثلاثة من المراكز الاساسية في الدولة: كرئاسة احدى الوحدات العسكرية والامنية الثلاثة الكبرى، او رئاسة احدى  المؤسسات العامة الوازنة؛ كحاكم مصرف لبنان او الجامعة اللبنانية او مجلس الانماء والاعمار، او رئاسة احدى المرافق العامة الإنتاجية الكبيرة كألهاتف او الكهرباء اوالمياه او في المراكز الدستورية او القضائية المركزية.

لدى الدروز حالياً 7 من موظفي الفئة الاولى من اكثر من 100 وظيفة في الدولة، ولكن كل هؤلاء السبعة في مواقع عادية او غير اساسية، والدروز غير ممثلين في مجلس الدفاع الاعلى ولا في مجلس الامن المركزي، وليس لديهم اي موقع رئاسي او حتى نائب للرئيس. اما مجلس الشيوخ الذي وعدت بتشكيله المادة 22 من الدستور؛ فلا يبدو انه قريب المنال. فيقول المصدر الدرزي المُطلِع: هل مُقتضيات الوفاق التي تحدَّث عنها الدستور لا تشمُل الدروز؟

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل