هل يعطل التصعيد العسكري إندفاعة مؤتمر الأستانة؟

استبقت روسيا موعد انعقاد اجتماع الأستانة المزمع عقده نهاية الشهر الجاري، وأعلنت عن بدأ خفض قواتها في سوريا، حيث من المقرر أن تسحب قريباً حاملة الطائرات الوحيدة التي تنشرها في المنطقة. فيما استمر قوات النظام مدعومة بميليشيات إيرانية تصعيد حملتها على وادي بردى قرب دمشق، التي قصفتها طائرات النظام بالبراميل المتفجرة.

التصعيد السوري – الإيراني، والإنسحاب المفاجئ للقوات الروسية، بات يطرح أكثر من علامة استفهام حول مصير وجدوى مؤتمر الأستانة، الذي يتطلع إليه المراقبين على أنه فرصة جديدة ممكن البناء عليها لتحقيق اختراق في مسار العملية السياسية على خط الحرب السوريا، حيث من المتوقع ان يثبت المؤتمر قرار وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السوريا، وإطلاق عملية المفاوضات السياسية بين السوريين أنفسهم، كمدخل الى حل سياسي تحاول روسيا وتركيا تكريسه كبديل عن مؤتمر “جنيف” الذي وصل الى طريق مسدود بعد توقفه منذ حوال عام.

Free Syrian Army fighters fire from a tank during what they said was an offensive against the forces of Syria's President Assad in the southern city of Deraa, Syria
تتباين آراء المعارضة السورية حول المشاركة في مؤتمر الآستانية، بين مؤيد له ومعارض لحصر مشاركة المعارضة بإطار الفصائل المسلحة واستبعاد الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل أطياف المعارضة السورية، لا سيما الإتلاف المعارض وهيئة التنسيق، وإعلان دمشق، ويتفق الجميع على أن الوقف الشامل لإطلاق النار ووقف العملية العسكرية وقصف الطائرات وقتل المدنيين شرط أساسي للمشاركة في أي محادثات أو حوارات حول الحل السلمي، سيما وأن التباينات بين أطياف المعارضة تنطلق من تقييم مختلف لظروف إنعقاد مؤتمر الآستانة، بين تسليم بالنصر العسكري الروسي، وبين من يعتبر الانسحاب من حلب خسارة معركة وليس خسارة الحرب، حيث الفرص متاحة لأشكال جديدة من المواجهة.

بعض المعارضين المؤيدين لمؤتمر الأستانة يرون أن “الروس وصلوا إلى قناعة، بأن الوقت قد حان لوقف الاستنزاف الاقتصادي والعسكري لهم، وأن ما جرى في حلب هو نصر شكلي وليس نصراً حقيقياً. فالمعركة لم تحسم الصراع والمقاتلون استعدوا لحرب عصابات طويلة الأمد. وعندما يقرر الشعب أن يخوض حرباً شعبية، لا يمكن لأي جيش أن ينتصر عليه. لذلك أصبح الإتفاق هو ضرورة الساعة، لا سيما بعدما أدركت أن الحل لا يمكن إلا أن يكون مع الفصائل المقاتلة على الأرض”.

russian-army
ويذهب اعتقاد هؤلاء إلى أن موسكو لا يمكنها التراجع، “فهي لديها التزامات دولية، وستحاول أن تُظهر نفسها أمام شعبها وأمام العالم أنها دولة متحضرة، تستطيع أن تفرض حلا في منطقة غير مستقرة مثل سوريا”.

المعارضون لمؤتمر الآستانة، يعتبرون أن المنطلق الأساسي لهذا المؤتمر هو توافق (روسي – تركي – إيراني)، وهذا الاتفاق “تدور حوله أسئلة كثيرة وكبيرة، وتندرج في مجموعتين احداها تتعلق بالعلاقات بين دول التوافق، والثانية تتصل بعلاقة هذه الدول والمحيط الاقلييمي والدولي، وفي كل مجموعة ثمة أسئلة صغيرة وتفصيلية، الامر الذي يجعل توافق الأطراف الثلاثة على اعلان موسكو وعلى مؤتمر استانة، وكأنه توافق في الهواء، وليس توافقاً على الأرض، كما يظن بعض المتفائلين، والاهم في الأسئلة الكبيرة، مجموعة الأسئلة المتعلقة بالقوى المتوافقة، وهي روسيا وتركيا وايران، وهي اطراف ثلاثة، ولكل واحد منها استراتيجيته وسياسته وأهدافه في القضية السورية، وثمة اختلافات تجعل من الاستراتيجية والسياسة والاهداف لكل واحد في مواجهة طرف آخر، او الطرفين الآخرين، كما ان واقع الوجود الميداني والمعطيات الجيو سياسية لكل طرف، تجعله خارج الاستبعاد والاخراج من صلب المعادلة السورية، مما يدفع الى توافق الأطراف في قضايا من الصعب التوافق عليها.

%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86%d8%a9
ويعتبر هؤلاء أن أبرز الأسئلة المطروحة في هذا المجال،”هو الموقف من النظام ورأسه بشار الأسد، وفي هذا ثمة ثلاثة مواقف متصادمة، ايران من طرفها تصر على بقاء النظام ورأسه، حتى بعد تسوية نهائية للقضية السورية، فيما الروس أقل تشدداً، اذ هم مع بقاء النظام مع إصلاحات فيه، ويمكن ان يتنازلوا في موضوع استمرار بشار الأسد في مرحلة لاحقة من التسوية، أما تركيا التي عارضت طوال السنوات الماضية استمرار النظام وبقاء الأسد على رأسه، فموقفها، تغيير النظام وغياب الأسد مع بدء المرحلة الانتقالية في التسوية المقبلة”.

المعارضون السوريون وعلى الرغم من تباين آرائهم حول جدوى مؤتمر الآستانة، ووظيفته المستقبلية وإمكانية نجاحه، حيث تسعى روسيا لأن يكون بديلاً عن مؤتمر جنيف، وهذا ما لن تقبل به الدول الأوروبية والعربية الداعمة للشعب السوري، يتسألون عن دور إيران المستقبلي ودور ميليشياتها العسكرية المتمركزة في سوريا، فالمؤيدون لمؤتمر الآستانة، يعتبرون أن إيران قادرة على خربطة الاتفاق أو عرقلته “لكن ليس باستطاعتها أن تنسف مسار العملية برمتها، لأن ذلك يعني كسر هيبة روسيا وظهورها بمظهر الدولة المارقة، وأن إيران وميليشياتها المتغلغلة في سوريا وفي اقتصاد البلاد وفي شراء الأراضي سيتم إرضاؤها عبر مقايضة ما ستحصل عليها بعد انجاز التسوية، إذ أنها ستطالب بثمن مقابل وجودها الراهن”.

حزب-الله_28
فيما يسأل معارضو الآستانة عن موقف الأطراف من حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية والافغانية، التي تشكل قوة إيرانية خاصة في سوريا، “ويرون استحالة المساومة على مسألة شرعية واستمرار وجود إيران وميليشياتها كقوة ضامنة لبقاء النظام ورئيسه تحت نفوذها، بحيث لا يؤيد الروس ذلك، ويتطلعون الى وقت، يخرج فيه هؤلاء من سوريا، ليس لمعارضتها توجهاتهم الأيديولوجية فقط، بل لان استمرار وجودهم يمثل خللاً في استراتيجية سيطرتها على سوريا، بينما تعارض تركيا وجود تلك المليشيات سواء بسبب طبيعتها الطائفية، وما ارتكبته من جرائم في السنوات الماضية، وهذا مهم لدى الاتراك، بل ايضاً لانها تمثل امتداداً للقوة والنفوذ الإيراني على حدود تركيا الجنوبية، تضاف الى ما تمثله المليشيات الشيعية الإيرانية في العراق جارها الثاني في الشرق”.

مسألة أخرى تطرحها المعارضة السورية على مؤتمر الآستانة، وهي المسألة الكردية، حيث يأسف البعض لتحول الأكراد إلى ورقة تم اللعب بها من قبل واشنطن ودول إقليمية أخرى، بعدما صدّقت بعض الفئات الكردية أنها ستكون لها دولة مستقلة في شمال سوريا، فيما يتم استثناء قوات الحماية الكردية من وقف إطلاق النار ويبدو حل المسألة الكردية معلقاً، لا بل تتختلف عليه الدول الراعية لمؤتمر الآستانة، فتركيا تعتبر قوات الحماية الكردية جماعة إرهابية، وتتهمها بأنها تسعى لاقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية في سوريا، لتكون امتداداً لوجود ونشاط حزب العمال الكردستاني جنوب وشرق الاناضول، والمعتبرة من جانب الاتراك حركة انفصالية وام الجماعات الارهابية، فيما يحظى كل من القوتين الكرديتين بدعم ومساندة ايران وروسيا، التي تقيم علاقات واتصالات معهما، وترى ان قوات سوريا الديمقراطية، ينبغي ان تكون في اطار القوى، التي ستشارك في الحل السوري سواء في مؤتمر استانة، او في مرحلة لاحقة.

أسئلة كثيرة تطرح نفسها أمام مؤتمر الآستانة، وعلى الداعين له والراعين لحلوله في ظل الغياب العربي الواضح عن أي حل سوري، ما يمكن ان يؤدي الى إعادة خلط الأوراق الميدانية، خاصة وان توجهات التوافق الثلاثي (الروسي – التركي – الإيراني)، تسير خارج قرارات الشرعية الدولية، وماجرى العمل عليه من بيان جنيف(1) لعام 2012، سيما وأن التصعيد العسكري عاد ليطرح نفسه بقوة في ريف حلب (عملية درع الفرات) وريف دمشق (معركة وادي بردى)، وسط موقف روسي جديد، وتصعيد إيراني – تركي غير مسبوق، ما يضع مؤتمر الاستانة أمام خيارات التأجيل، أو تخفيض مستوى النجاح، بحيث لا تجد نتائجه طريقها للتنفيذ، وينتهي بإتفاق هدنة طويلة يحدد مصيرها مع إعلان توجهات البيت الابيض الجديد.

——————————-

(*) فوزي ابو ذياب- “الأنباء”