لا، ليس المطلوب الإنتحار العربي الجماعي!

وهيب فياض

مقالان صادمان تداولتهما مواقع التواصل الاجتماعي احدهما للأب ثيودورس دَاوُدَ، تحت عنوان: “لسنا عرباً”، والآخر للكاتب الفلسطيني أكرم عطاالله تحت عنوان: “ماذا لو اختفى العرب”.

 قرأت المقالين مراراً، كما قرأت التعليقات الكثيرة عليهما، ففاجأتني التعليقات  بقدر ما فاجأني المقالان. لقد احسست وأنا اقرأ الردود، ان اليأس بلغ مبلغاً جعلني أجد نفسي غريباً بينهم  وطائراً يغرد خارج سربه، خصوصاً مع ترداد كلمة رائع في أغلب التعليقات لتصبح لأزمة تتكرر.

ولمن لا يعرف معنى كلمة رائع، أقول انها صفة لما يثير الروع، وبالمعنى البسيط لكل ما يخرج الانسان عن طوره ويجعله يأخذ نفساً عميقاً ليهدىء من روعه. طبعاً، استعملت كلمة رائع في التعليقات لإبداء الإعجاب والاستحسان بالمقالين. وكان الأجدى ان تكون بمعنى ان من يقرأ راعه ما قرأه الى درجة الخوف والرعب مما وصلنا اليه من الترحيب بالسب العلني للعروبة.

العروبة التي عشنا مفهومها قناعة بعد نقاش على مدى قرن كامل حول مكونات الأمم على أساس ان اللغة مكون للأمة وان كان لا يصنعها مكون واحد، سفهها الأب ثيودورس وصورها عارضاً مرضياً ناتجاً عن غزوة إسلامية منذ أربعة عشر قرناً وقد حان الآن وقت العلاج، موحياً بأن الإسلام هو العروبة، وان العروبة هي الاسلام، وفِي هذا مجافاة للحقيقة وتجنٍ عليها  وعلى فرسان القومية العربية وهم من مختلف الأديان والمذاهب المشرقية.

%d8%ab%d9%8a%d9%88%d8%af%d9%88%d8%b1%d8%b3-%d8%af%d8%a7%d9%88%d8%af

ليست العروبة ولن تكون ابنة الاسلام الذي لم تكن لتولد بدونه، وليست خياراً فرض بالسيف من غازٍ مسلم من الجزيرة لبلاد ليس بينها وبينه اي رابط، كما كان حال الإسبان والبرتغاليين والانجليز مع الاميركتين الشمالية والجنوبية الامر مع حضرة الأب ثويودورس يحتمل نقاشاً طويلاً لا يتسع له هذا المجال وللبحث صلة.

أما مقال الكاتب الفلسطيني وعنوانه “ما لو اختفى العرب”، فلن أناقش ما ورد فيه من سلبيات العرب المختفون أصلاً على هامش العالم، ولا يساهمون إلا في مصائبه، لان في كلامه عن حاضرهم من الصحة ما لا يمكن نفيه، الا ان المقال يبقى في خانة النقد السلبي الذي لا يؤدي الا الى اليأس والعزلة والانتحار مع ما فيه من مبالغات لا تخطر إلا على بال من طلق العروبة بالثلاث، وإلا لكان شخّص الداء بلا مبالغة وحاول وصف الدواء على أمل الشفاء.

%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%af%d9%84%d8%b34

مما يجعلني للأمانة أقول للكاتب والقارىء: ماذا لو آفاق العرب، ماذا لو اعترف العرب بالواقع وخرجوا من إنكارهم له ماذا لو اعترفوا بخيانتهم لتاريخهم الذي شكل أساس الحضارة والتطور  اللذان يقف العرب على هامشهما اليوم مؤثرين سلباً وغير متأثرين إيجاباً.

ماذا لو استطاع العرب رؤية الكوارث التي صنعوها بأيديهم لانفصالهم عن الواقع وانشغالهم بالقتال والتقاتل العبثي تحت رايات غيرهم.

ماذا لو استيقظ العرب من كثرة الالم، كما استيقظت ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.

ماذا لو صدق العرب ان السلاح ليس حلاً، لا لخلافاتهم، ولا لاحتلال الغير لأرضهم

 ماذا لو اعترفوا ان اسرائيل هزمتهم عسكريا مهما أنكروا، وان كل الحروب معها جرت على ارضهم لا على ارض الكيان الغاصب.

ماذا لو اختار العرب طريقا اخرى لهزيمة اعدائهم بالانتصار على أنفسهم اولاً، ونبذهم للحل العسكري لكل مشكلة او قضية.

ماذا لو عزل العرب إيمانهم بالله، عن مسيرة شعوبهم وأوطانهم، وفصلوا بين أديانهم والطريق الحضاري لارتقائهم، كما فعلت أوروبا من قبلهم، بعد ان أنهكتها الحروب الدينية.

22

ماذا لو استلهم العرب تجربة ألمانيا واليابان بعد الحرب، لتتحولا من أكبر دولتين مهزومتين عسكرياً الى أكبر دولتين في العالم تأثيراً على الاقتصاد والتكنولوجيا والحضارة والرقي  خلال نصف قرن فقط.

ماذا لو أدار العرب الظهر في السياسة للدين وأداروا الوجه للتقدم مع الحفاظ على قيم أديانهم.

ماذا لو نسي العرب انهم مسلمون سنة وشيعة ومسيحيون كاثوليك وارثوذكس لصالح إنسانيتهم.

ماذ لو خططوا للانتقال الى القرن الحادي والعشرين بدل التقهقر الى أيام الخلاف على الخلافة والملك والامارة.

ماذ لو أطلق العرب لعقولهم الحرية من زنزانة الممنوعات الدينية لصالح الصدق والشفافية والتجرد والعمل الجماعي.

ماذا لو صنعوا الانسان ليصبحوا نصف مليار متعلم منتج مبدع مخترع مواكب للحضارة.

ماذا لو تخلى العرب عن شراء السلاح لصالح شراء الغذاء والدواء والتقنيات والتعليم، رغم قلة ما تبقى مواردهم التي بددوها هباء.

أيها العرب، فعلتها ألمانيا واليابان من قبلكم دون ان تحتاج الى مرشدين دينيين ولا قساوسة ورهبان يمارسون السياسة ودون البكاء على تاريخ، أوصلهم الى أسوأ هزيمة، بأسوأ شروط استسلام منعتهم حتى من انشاء الجيوش فإذا بهم بعد ستين سنة يقودون دولا جيوشها جرارة وطاقاتها التدميرية تفوق الخيال.

ماذا لو استيقظ العرب اذا لصار المحتل أسير من احتلت ارضه والمستعمر خادماً لمن أراد استعماره، بلا طائرات ولا غواصات ودبابات، وبلا شهداء ليس فيهم من الشهادة إلا الموت.

لو فكرت انني قد أكفّر او أُقتل اذا كتبت ما تقرأ، اذا لكنت مزقته بدل نشره ولكنني فكرت ان استيقظ مقتولاً على ان أنام قاتلاً.

(الأنباء)

 

اقرأ أيضاً بقلم وهيب فياض

جنبلاط يهادن مجدداً وينعي اتفاق الطائف

أيها المعلم المشرق علينا من عليائك

نزار هاني: أرزتك أطول من رقابهم!

ما وراء خطاب العرفان!

عن الفتح المبكر للسباق الرئاسي: قتال بالسلاح الأبيض والأظافر والأسنان!

عهد القوة ام العهد القوي؟

من موسكو: تيمور جنبلاط يجدل حبلاً جديداً من “شعرة معاوية”!

لجيل ما بعد الحرب: هذه حقيقة وزارة المهجرين

حذار من تداعيات إزدواجية المعايير!

عن دستور ظاهره مواطنة وباطنه عفن سياسي!

لا تحطموا برعونتكم أعظم إختراع في تاريخ الديمقراطية!

رسالة من العالم الآخر: من أبو عمار إلى أبو تيمور!

لتذكير من لا يذكرون: تجارب وزراء “التقدمي” مضيئة وهكذا ستبقى!

يحق لوليد جنبلاط أن يفاخر!

تبيعون ونشتري

إنه جبل كمال جنبلاط!

إلا أنت يا مير!

ادفنوا حقدكم لتنهضوا!

الإصلاحيون الحقيقيون: إعادة تعريف!

مطابق للمواصفات!