إستعادة الثقة بمن؟

جليل الهاشم

لسيت الحكومة في بيانها الوزاري، فعشرات الحكومات التي مرّت على لبنان في مختلف ظروفه وتحولاته تقدمت بعشرات البيانات ولم يكن البيان يوماً سبباً في سقوط حكومة أو منع الثقة عنها وزراء عديدون.

فمن ساهموا في وضع بيانات الحكومات اللبنانية في السنوات الأخيرة يقروّن بهذه الحقيقة ولكنهم يشيرون إلى تغييرات حصلت في روحية الاعداد للبيان وفي الاهتمامات مع لفتهم الأنظار إلى ثابتتين كأنت تثيران نقاشاً وتكرران من حكومة إلى أخرى، الأولى تتعلق بالسعي لاقرار القانون الجديد للانتخابات والثانية برزت خصوصاً بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب وتتعلق بموضوع المقاومة.

بقية البنود تبدو متشابهة حول النمو الاقتصادي والمالي والانماء المتوازن وتلبية حاجات المواطنين حتى هذه العناونين باتت تمر سريعاً فتضيق مساحة البيان إلى حدودها الشكلية وفي المقابل يسجل تراجع اهتمام النواب بالمناقشة وجلسة الثقة الأخيرة بدت إشارة ملفتة لهذا الواقع.

كان النواب يتبارون على مدى أيام خصوصاً في فترة رئاسة الرئيس رفيق الحريري من تفنيد البيانات وطرح المطالب المناطقية والخاصة وحتى الخوض في السياسات العربية والخارجية إلا أن كل ذلك تراجع إلى الحد الأدنى من حيث عدد النواب المتدخلين وزمن المناقشة والرغبة فيها.

%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9

قد تكون السبب في ذلك هو الاستسلام الضمني لمنطق أن الأمور مبتوتة سلفاً وأن النقاش لن يقدم ولن يؤخر وأن الثقة حاصلة دون ريب وهذا الاستسلام يتضمن إشارة خطيرة الى المستوى الذي بلغته الحياة السياسية في ظل موازين قوى تحدد سلفاً شكل النقاش ونتائجه سبب أخر يدفع إلى هذه اللامبالاة وهو عدم التمييز بين دور السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.

فغالبية الكتل النيابية ممثلة في الحكومة وبمعنى أخر فإن مجلس النواب هو الحكومة هو المولج بمراقبتها ومحاسبتها أي مطلوب منه أن يحاسب نفسه في وقت نعرف فيه أن أبسط أسس الحياة البرلمانية الديمقراطية تنقضي بحكومة تمثل موالاة ومجلس يضم معارضة فاعلة ومسؤولة.

حكومات ما يسمى بالتوافق المنبثقة عما يسمى “الديمقراطية التوافقية” تتحول شيئاً فشيئاً إلى مجالس نيابية مصغّرة تحوز الثقة الشكلية والرفض الضمني القائم على عدم قدرتها في ضم كل النواب ليصبحوا جميعاً وزراء.

أما حكومة “استعادة الثقة” التي ارتاح اللبنانيون لمجرد قيامها فإن تحديها الأبرز سيكون محاولة استعادة الثقة للطبقة السياسية قبل أن تنتج في المهمة العسيرة وهي استعادة اللبنانيين تفهم ببلدهم ونظامهم الديمقراطي.

(الأنباء)