حزب الله والواقعية السياسية

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

تختلف عدة اطراف سياسية لبنانية مع بعض توجهات حزب الله، خصوصاً فيما يتعلق بعلاقاته الاقليمية وفي سياسته العربية والدولية، او حول دوره في بعض الاحداث التي تشتعِل في المنطقة، لاسيما في سوريا. بالمقابل لا يمكن تجاهل بعض ملامح الإنفتاح الذي ينتهجه الحزب في الملفات الداخلية، كما لا يجوز المرور بعُجالة على مواقفه الاخيرة من القضايا التي طُرحت على الساحة اللبنانية، ذلك ان هذه المواقف ساهمت مساهمة فعالة في إضفاء اجواء من الاسترخاء، او لنقُل إضفاء شيء من التفاؤل على المرحلة القادمة.

في ملف تشكيل الحكومة الجديدة التي يرأسها سعد الحريري؛ وضع الحزب الرئيس نبيه بري في الواجهة وكلفه التفاوض بإسمه، كي لا يبدو الحزب أنه يفرض شروطاً على التركيبة الحكومية. لكن هذا التكليف أعطى ثماره الواعدة، وحصل الحزب وحلفائه على مُعظم ما كان يُريد، ولكن وفقاً لقواعد تسوية حُبكت خيوطها بين بعبدا وعين التينة وبيت الوسط وكليمنصو، على خلفية؛ ان عمر الحكومة قصير، كما ان بعض الاطراف المعنية لم تُكابِر في مواجهة النشوة التي عاشها حزب الله بعد معركة حلب، مترافقة مع احباط اصاب الاطراف الأُخرى، فتعاطىَ الجميع بواقعية، من دون ان تبرُز عوامل الانتصار هنا، وعوامل الإنهزام هناك.

الاهم من مرحلة التشكيل؛ كانت مرحلة صياغة البيان الوزاري للحكومة، كما مرحلة مناقشة البيان امام مجلس النواب والتصويت على منح الثقة. فقد تعاطى الحزب بواقعية، وكان للكلِمة التي القاها بإسمه النائب علي عمار وقعٌ لافت إبان جلسات المناقشة، فتجنَّب عمار الرد على بعض التهجمات التي طالت الحزب، وقال: “لا نريد من الحكومة إلا تطبيق بيانها، والإلتزام بمبادئه”والبيان بمعظمه يُسلِّط الضوء على التنمية ووقف الفساد وإنتاج قانون الإنتخاب ودعم الجيش والقوى الامنية، وتحييد لبنان عن الصراعات المُحيطة ويلتزم بدعم المحكمة الدولية التي تُلاحق قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وليس للحزب في البيان إلا فقرة تتحدث عن حق لبنان وشعبه بمقاومة الإحتلال بكافة الوسائل، وقد صوَّت كافة اعضاء كتلته النيابية على منح الثقة للحكومة، بينما تغيب بعض حلفاء الرئيس سعد الحريري عن الجلسة.

سِمةُ الواقعية السياسية التي غلبت على مواقف حزب الله في الفترة الأخيرة؛ كانت واضحة في الإنعطافة الإيجابية التي برزت في خطاب الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، عندما أشار الى ان الحزب يتوقف بجدية عند هواجس البعض فيما يتعلَّق بقانون الإنتخاب، خصوصاً ان الحزب كان يُطالب بتطبيق نظام النسبية الشاملة في كل لبنان، وهذا الامر يرى فيه عدد من الاحزاب والطوائف إستهدافاً، نظراً لخصوصية الاوضاع القائمة حالياً، وبإعتبار ان النظام النسبي يُطبق عادةً في الأنظمة التي تعتمد المساواة الكاملة بين المواطنيين من دون اي اعتبار للتوزيعات الطائفية او المذهبية.

زيارة وفد حزب الله المؤلف من المعاون السياسي للسيد نصرالله حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط في الحزب وفيق صفا الى دارة رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط؛ كانت محطة اساسية في سياق هذه الواقعية التي بدى ان الحزب يعتمدها في هذه المرحلة، لأن جنبلاط يعترض على تطبيق النظام النسبي بوجود الطائفية السياسية، لأن هذا النظام يُلغي خصوصيات بعض المجموعات، ويقضي على التنوع الذي يُغني الحياة السياسية اللبنانية. والزيارة كانت تهدف الى ارساء تعاون مع جنبلاط حول الملفات الداخلية، لا سيما قانون الإنتخاب، ولتنظيم التباينات الموجودة بين الفريقين حول الملفات الخارجية.

ان اهمية الاعتدال في مواقف حزب الله الداخلية؛ واضحة، لأن الجميع يُدركون ان الحزب؛ إذا لم يَكُن لديه القدرة على فرض كُل ما يُريد في المسائل الداخلية، لكنه قادر على تعطيل كل ما لا يريد، ذلك من جراء عوامل جيوسياسية وجيوديموغرافية وقدرات عسكرية ومالية وازنة يتمتع بها.

يحاول بعض الذين يحسبون أنفسهم على الحزب؛ تعطيل المقاربة الجديدة عنده، ولكن كلاماً نُقِلَ عن مُقربين من الحزب، يؤكد ان الحزب يُعطي الاولوية للإستقرار الداخلي في لبنان، كما انه يُعمل على إستقرار العلاقات الاسلامية – الاسلامية، وهو يعرف احجام كل الفرقاء، القريبين منه والبعيدين عنه، بصرف النظر عن التصريحات الاعلامية.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي