لبنان – المنطقة – العالم: بين الراحل والآتي

عادل مالك (الحياة)

إحدى العادات المهنية التي درجنا عليها في مثل هذه الأيام من كل عام، إجراء «جردة شاملة» لأبرز محطات العام الراحل والعمل على استشراف ما هو متوقّع للعام الآتي.

وهذا ما نحن بفاعليه في هذا المقال.

على صعيد لبنان، يقفل العام على تطور جيد تمثل بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتولّي سعد الحريري رئاسة حكومة هي الأولى في العهد الجديد.

وحول هذا الموضوع، كلام كثير قيل وآخر سيقال ومنه التالي: لقد بدأ الإقلاع الوزاري بعد الكثير من التداولات والتفاهمات والتسويات. ومن وحي المرحلة الراهنة: هل نحن في نهاية العهد أم في بدايته؟

هو تساؤل الحريص على العهد، وليس من قبيل التشكيك.

إذ إن ما سبق عملية تأليف الحكومة ذكّرنا بالماضي من حيث الاختلاف بين مكونات المجتمع اللبناني، وأعاد إلينا صورة المحاصصة المهينة التي كانت تحدث في ما مضي، واعتقدنا لفترة كأننا تخلّصنا من هذه الآفات.

من حيث المبدأ، ما من أحد يستطيع منع أي مواطن لبناني من طرح التساؤل التالي: ما الموانع الجدية التي حالت، على مدى سنتين ونصف السنة، دون ولادة الحكومة؟

ومن خلال مواكبتنا حال التجاذب، ساورتنا الشكوك في العودة إلى قديم الزمان وسالف العصر والأوان، وما كان يرافق تلك التشكيلات الوزارية.

لذا ومن منطلق حرصنا على بداية العهد الجديد بدايةً ناصعة كما يريدها سيد العهد الرئيس العماد ميشال عون، والذين أصيبوا بخيبات الأمل مما كان يجري في هذا المجال، وأصحاب المحاولات التي أجريت للتخفيف من وطأة عملية التأخير في صدور مراسم تأليف الحكومة. فالمأمول بعد ذاك الماضي، أن يحل الاختيار المناسب في الموقع المناسب.

وليس سيد العهد الجديد في حاجة إلى مزيد من محاضرات التنظير في كيفية حكم البلد وانتشاله من القاع السحيق الذي قذفت به إليه، أقله من السنوات العشر الماضية.

ولا تخفى على أحد الآمال العريضة التي يعتصم بها فريق كبير من اللبنانيين والتعويل على الانتقال إلى الضفة الأخرى، والعنوان في هذا المجال يندرج تحت خط عريض هو الفساد الذي ذاع صيته عندما كان يذكر اسم لبنان في المحافل الدولية، وهو ما ركز عليه الرئيس العماد ميشال عون في خطاب القسم. ومن منطلق الواقعية، ندرك جيداً ولا شك، أن معركة مواجهة الفساد والفاسدين الذين بهذا الحجم لن تكون سهلة على الإطلاق، لكن حزم العهد وسيديه وحكومته الأولى هو في ميزان التحدي والاختبار، ومن غير المسموح الفشل في المواجهة.

وفي سياق متصل، لا بد من التوقف عند الحكومة الجديدة التي تضم «أسطولاً وزارياً» فضفاضاً، والعلاقة بين الكم والنوع. ولعلها مناسبة للإشارة إلى التصنيف المُعيب بين وزارة سيادية وأخرى خدماتية وثالثة عادية!

يجب إسقاط هذا التصنيف الطبقي والمهني عدا إساءته إلى الوزارات في حد ذاتها والوزراء من أعضاء الحكومة، وصولاً إلى استغباء الناس العاديين.

ومن خلال تجربة الأشهر الأخيرة، ألم نكتشف كم أن وزارة البيئة على سبيل المثل لا الحصر، هي أهم وزارة على الإطلاق؟ وللمناسبة، لا تزال أزمة النفايات من دون حل جذري لهذه المعضلة، والتي أغرقت البلد بالزبالة! لعل المعالجة الجديدة تُساهم في رفع النفايات المكدسة في طول البلاد وعرضها.

ومن الطبيعي أن يدرك الرئيس سعد الحريري مع أعضاء الحكومة الثلاثينية خطورة المهام الملقاة على عاتقه وعاتق الحكومة، فالتحديات الماثلة كبيرة وجسيمة، وعمر الحكومة الجديدة لن يتجاوز الستة شهور من حيث المبدأ، أي قبل حلول موعد الانتخابات المقبلة. ويمثل هذا الامتحان الاختبار الأقوى لقدرة الحكومة على الاهتداء إلى قانون الانتخاب الجديد وسط البلبلة القائمة حول هذا الموضوع والخلافات القائمة بين مختلف «الفصائل اللبنانية» على أي قانون انتخابي يمكن أن يعكس حقيقة الأحجام السياسية والشعبية لكل تيار، وسط سيف «قانون الستين» والذي له بعض الأنصار، وقد تُجرى الانتخابات في ظله إذا ما فشل جميع المحاولات لإنتاج قانون انتخابي جديد.

ونتابع السياق العام لأحداث السنة المنصرمة ويأتي في الطليعة الوضع في سورية، والشعار الجديد الذي قذف به إلى ساحة الحرب المستعرة فيها «ما بعد حلب»، وذلك بعد سقوط مدينة العاصمة الاقتصادية الكبيرة لسورية تحت سيطرة الجيش السوري المدعوم من الطيران الروسي، وقوات أخرى داعمة ومؤيدة للنظام وما يمثل.

وما زال مسلسل الغرائب والعجائب ينطبق على واقع سورية والحلول الدولية المتداولة للسير في الحل السياسي، فعلى رغم كل الاتفاقات لوقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها، لم يتغير شيء على الأرض وسط تضاؤل الدور الأميركي أكثر فأكثر مع قرب رحيل باراك أوباما من البيت الأبيض وتولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

في سياق متصل، عبر الرئيس ترامب في أول اتصال هاتفي له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن أنه سيتولى التنسيق مع موسكو لإحداث نقلة للتغيير في الوضع السوري، مع قوله «إن الأولوية ليست لرحيل بشار الأسد»، والتركيز على محاربة «داعش» وكل أنواع الإرهاب الضارب في سورية.

في هذا الوقت، يجب التذكير ببعض ما أشرنا إليه في مقالات سابقة من أن «خطوات تقسيم سورية» جارية تحت رعاية دولية، وآخر مظاهر هذا التعاون خروج الآلاف من المقاتلين والسكان العاديين من منطقة شرق حلب ونقلهم إلى مكان آخر ضمن الخريطة السورية، لكن ضمن الخطة غير المعلنة عن مضي المخطط التقسيمي الطائفي في تسجيل العديد من النقاط، على رغم نفي بعض الأوساط هذا الأمر.

ولعلها مناسبة للتشديد على أننا عندما نتحدث عن الخطوات التقسيمية في سورية، فهذا لا يعني أن هذا هو الحل الأفضل لسورية بل هو الحل الوحيد الباقي والمتاح، حيث لا وجود لخطط بديلة للتقسيم السوري، حتى كتابة هذه السطور على الأقل.

وهكذا يتضح شيئاً فشيئاً، أن «حصة الأسد» في سورية هي لبشار الأسد والرئيس فلاديمير بوتين والباقي لإيران.

أما على صعيد الأجواء الدولية، فإن العالم ينتظر الأيام الأخيرة لباراك أوباما في البيت الأبيض، وتولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب، صاحب الشخصية الإشكالية داخل الحزب الجمهوري أولاً، ثم لسائر الأميركيين أو المراهنين على المواقف والسياسات السورية.

ماذا يجري في العراق؟ أفادت المعلومات بأن القوات العراقية مع بعض «الدعم الاستشاري الأميركي وغيره»، تمكنت من تسجيل العديد من النقاط ضد الجيش الإسلامي «داعش»، بخاصة في الموصل، لكن يبقى السؤال: هل يمكن اعتبار أن العراق أصبح خالياً من الداعشيين وشركائهم؟

وماذا عن تركيا؟ رجب طيب أردوغان حالم ببعث أو انبعاث أحلام السلطنة، ويريد أن يعطف عليها وعلى نفسه شيئاً من المؤسس مصطفى كمال أتاتورك، لكن وقائع الرئيس التركي وأحلامه تصطدم بالعديد من العقبات، ويبدو أن «السيناريو التركي» لأحداث سورية لم يتطابق مع معطيات الوضع الراهن، ويمكن القول أن بعض ما خطط له أردوغان عبر الحرب في سورية يبدو كأن السحر انقلب على الساحر، حيث يتبيّن بوضوح أن ما تم التخطيط له في هذا الشأن لم يتطابق مع الأحلام والأمنيات الأردوغانية.

لكن الرئيس أردوغان ومن ضمن مواهبه في المواقف الزئبقية المتراقصة بين صعود وهبوط على وتيرة سريعة، يعمل على استدراك أخطاء السيناريو والحد من خسائر الخوض في الرمال الشديدة التحرك في المنطقة.

وفي هذا المجال الذي نودع فيه العام الراحل وعشية حلول العام الجديد، لا يمكن تجاوز ما أثار الخوف والقلق في العالم في وجه الإجمال، بخاصة بعض الدول الأوروبية، وهو ما تعرضت له دول القارة من أعمال إرهابية مدمرة، حيث يدرك العالم الأميركي منه والأوروبي أخطار الإرهاب الذي يتم تصديره إلى هذه الدول، إضافة إلى الإرهاب التكفيري الذي من الصنع المحلي.

وهنا إشارة إلى ما تعرضت له باريس بخاصة وفرنسا بعامة، إضافة إلى ما شهدته بلجيكا والعاصمة بروكسيل، حيث أدرك العالم الغربي ما معنى معاناة الشعوب من الإرهاب التكفيري أو أي نوع آخر من الإرهاب.

وفي الكلام الأخير: كالعادة في مثل هذه الأيام، تتأرجح المشاعر بين خيبات على اختلافها حفل بها العام الراحل، وأمل آخر ولو من قبل التمني لعام جديد. لكن الصوت الواقعي يقول:

شدوا أحزمة مقاعدكم لأنه إذا كان ما حدث عظيماً وفادحاً، فالآتي مع عام 2017 هو أعظم. ولا نملك إلا البقاءَ على رجاء حلم قيام عالم مثالي خال من الإرهاب والفقر والحرمان…

يحق لنا أن نحلم… لكن ما من ضمان بتحول هذا الحلم إلى… واقع.

 

اقرأ أيضاً بقلم عادل مالك (الحياة)

تغييب «الخليجي» و «الجامعة» … والبديل منظومة أمنيّة

مَن يستدرج مَن: واشنطن ترامب أم طهران؟

سورية: «انتهت» الحرب … ولبنان في الضوء الأحمر

التغييرات في خرائط المنطقة وفقاً لمراجع أميركية

روسيا تكشف المستور: نعم نتشاور مع إسرائيل!

زمن أميركا أولاً… ظالمة أو مظلومة؟

هل يتمدد النزاع في سورية بين سوريي الداخل ولبنان والجوار؟

الإمام موسى الصدر: بدعة لا غالب ولا مغلوب؟

… وهبّت رائحة النفط على لبنان: نعمة أم نقمة؟

عن «حصة الأسد» للأسد والباقي… تقسيم!

سورية بين «الذكاء» الروسي و«التذاكي» الأميركي!

… وماذا عن توطين النازحين اللبنانيين؟

الوضع في منتهى الخطورة… ما أشبه يوم العرب بأمسهم!

سورية: عشية «هدنة إنسانية» بعد التصعيد الخطير!

سورية: الحرب الصعبة والسلام المستحيل!

عكس السير والمنطق: تأجيج حروب… الحل!

عن ارتدادات ريختر الحريري: قبل أن يقرر عن اللبنانيين

عن حرب السنتين في لبنان: بين «سلام اليوم» وحروب الأمس!

المنازلة المبكرة بين «القيصر» بوتين و «السلطان» أردوغان

التدخل الروسي يمنع تقسيم سورية أم يعجل فيه؟