“الأنباء” تستطلع الآراء: هكذا نحافظ على اللغة العربية!

اللغة والهوية توأمان لا ينفصلان، وضرورة الحفاظ على اللغة كضرورة الحفاظ على الهوية الثقافية، فلغتنا العربية من اللغات الإنسانية السامية التي ما زالت محافظة على تأريخها اللغوي والنحوي منذ قديم الزمان، وقد ساهمت في نهوض العديد من الحضارات، ولكنها تواجه اللغة العربية العديد من مخاطر التهميش، والخوف من تضعيفها بسبب سيطرة اللغات الأجنبية، وفي طليعتها اللغة الانكليزية على أحاديثنا، وتفشي بما يُسمى لغة (الشات) في وسائل التواصل الاجتماعي.

وباعتبار اللغة العربية لغة استراتيجية في المقام الأول وتمس الأمن الثقافي والحضاري، فإنه لا بد من الوقوف عند ما تواجهه اليوم والنظر فيه بعمق وجدية وفعالية، واستنفار الطاقات الحيّة لمواجهة المخاطر المحدقة بها، والسؤال الذي يطرق أذهاننا: ما هي الوسائل والسبل التي يجب اتخاذها لمواجهة هذه المخاطر؟ وكيف نحافظ على لغتنا من التهميش؟ وكيف نتباهى بها بدل التباهي باستخدام اللغات الأخرى؟

ويبقى السؤال المقلق: هل يمكن للغة أن تموت وتنقرض؟ أو إن تتعرض للهزال والضعف والإهمال أن تفنى؟ وأين هي الجهات الرسمية وغير الرسمية اللبنانية والعربية من هذا الموضوع؟

كل هذه الأسئلة وغيرها ناقشناها مع مفوض الثقافة في الحزب التقدمي الاشتراكي، فوزي أبو ذياب وعدد من الباحثين وكبار اللغويين:

20161215_233104img-20161215-wa0039

في البدء حدثنا أبو ذياب حول الأزمة التي تواجه اللغة العربية قائلاً: “اللغة العربية تعاني من تحديات جمة مرتبطة بتحديات العولمة وبالهوية والانتماء العربي، ولهذا التاريخ والتراث، فهناك أزمة الرسائل النصية، أو ما يسمى بلغة الشات وعدم اعتزاز الأجيال الجديدة بلغتها الأم، وبذلك يبعدون عن حضارتهم وإرثهم الإنساني، فيما أن كبار الفلاسفة يعتبرون اللغة هي أداة تفكير وليس أداة تواصل فقط، فنحن نفكر بلغتنا، وحين نتعلم اللغة الأجنبية يَصبح تفكيرنا مرتبطاً بالثقافة الأجنبية ونبتعد تدريجياً عن قيمنا وعن تراثنا وهويتنا التي يجب أن نفتخر ونعتز بها”.

وحول المؤتمر الذي عقدته مفوضية الثقافة في الحزب التقدمي الاشتراكي قال أبو ذياب: “لأجل كل هذا العناصر التي ذكرتها، ولأن اللغة لم تعد الإطار الموحد للجماعات والمجموعات العربية على اختلاف انتماءاتها، وتزامناً مع اليوم العالمي للغة العربية، عقدت مفوضية الثقافة في الحزب مؤتمراً تحت عنوان (اللغة العربية وتحديات العصر) في قاعة اليونيسكو أطلقت من خلاله الصرخة لوضع مسار جديد لبرمجة نظام إصلاحي تربوي أولاً وتثقيفي ثانياً، وطني وعربي، خاصة في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة التي تمر بها المنطقة العربية.

وأضاف أبو ذياب: أن “جلسات المؤتمر وما أخذته من نقاش ستكون محور كُتيب خاص يصدر عن مفوضية الثقافة والحزب التقدمي الاشتراكي، بحيث يتضمن أبرز التوصيات والمقترحات العملية التي يمكن اعتمادها في الأنشطة أو في خطط عمل المؤسسات المدنية ومؤسسات المجتمع المدني”.

وحول ما إذا كان هناك خطوات وأُطر أخرى ستُتخذ وتُستكمل لاحقاً بعد المؤتمر، قال أبو ذياب أن: “هناك بعض المشاريع واقتراحات القوانين ومؤتمرات بحثية أخرى سينكب الحزب التقدمي الاشتراكي على إعدادها وتقديمها في المواعيد الممكنة وفق ظروف النظام السياسي اللبناني، وستكون هناك خطوات متلاحقة لمتابعة هذا الأمر”.

وعن أهم الخطوات والسبل التي يمكن اتباعها لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها اللغة العربية، وما إذا كان من الممكن ابتكار طرق جديدة تواكب العصر وتحافظ على لغتنا أشار ذياب إلى أن “المطلوب برأينا هو مسألتان، المسألة الأولى: العمل على المناهج التربوية بطريقة تدفع الطالب للاهتمام بلغته، والمسألة الثانية: تطوير المناهج التعليمية العالية في الجامعات. فنحن نتطلع على تفعيل اللغة وتفعيل حضورها، وعلى إغنائها وإغناء التواصل الاجتماعي بأعداد كبيرة من الأبحاث والدراسات، ولذا المطلوب ورشة عمل كبرى إصلاحية للمناهج التربوية وللسياسات التي تدفعنا إلى الاستهتار بهويتنا الوطنية، من هنا فإن الأمور مترابطة فيما بينها، لا يمكن أن يكون هناك نظام استبدادي باسم العروبة وبنفس الوقت نطلب من الطالب أو الشاب العربي الذي يتطلع إلى الحرية بأن يقبل بأن تكون هذه لغته”.

5596

فاللغة العربية ليست لغة قتل ولغة تدمير، إنها لغة حضارات، وهذه الحضارات عاشت قسطاً كبيراً من الزمن وفي مراحل عديدة، وهي قادرة بأن تعود وتسود بمساحة واسعة من الزمن مرة أخرى على الكرة الأرضية”.

ورداً على سؤال ما إذا كان هناك تنسيق مع الجهات الرسمية وغير الرسمية للعمل بكل الجهود لمواجهة كل المخاطر التي تطال لغتنا، قال أبو ذياب: “هذا المؤتمر عُقد بمبادرة من الحزب التقدمي الاشتراكي لعدة أسباب ذكرتها ببداية الحديث، وشيء آخر هو أن هذ الحزب خرج منه كبار العلماء في اللغة، أولاً مؤسسه المعلم الشهيد كمال جنبلاط الغني عن التعريف بفكره وإبداعه وفلسفته وما قدم للمكتبة العربية من كتب وأبحاث ونظريات في الإدارة والإصلاح السياسي وفي علم الاجتماع، وهناك أيضا العلاّمة عبدالله العلايلي الذي هو كان أحد مؤسسي الحزب، وهناك أيضا الاستاذ البير أديب وهو ومجلته (الأديب) التي تصدر إلى وقتنا الحاضر في طرابلس، هؤلاء إضافة إلى كوكبة كبيرة من التقدميين الاشتراكيين الذين كانت لهم مساهمات كبرى في الإعلام والأدب وفي الفكر، والفلسفة، وهنا لا ننسى الدكتور خليل أحمد خليل، والأستاذ غازي العريضي، والمرحوم الأستاذ فؤاد سلمان، وغيرهم من علماء وأعلام الأدب والفكر، من هذا المنطلق، ولأننا مؤتمنون على مسيرة كبار مفكرينا في الحزب، بادرنا إلى عقد هذا المؤتمر، ونسعى إلى من يمد لنا اليد الأخرى في وزارة التربية ووزارة الثقافة وفي المؤسسات المدنية الأخرى، يمكن أن نقول نحن اليوم أطلقنا صرخة، ولكن هذه الصرخة لابد من تطويرها وتفعيلها بمبادرات أخرى لنتلاقى مع الآخرين حولها”.

20161224_134055

بدوره أكد الدكتور شوقي حماده (عضو المجمع العربي) أن “اللغة العربية هي مخزون علوم العرب وثقافتهم، وتأريخهم وخبرتهم الإنسانية، وهي أيضا ذاكرتهم الحية، ورابطتهم القومية وهوية انتمائهم العربي، لذا فإن واجب معرفتها والدفاع عنها يشكل الدعامة الأولى لتحصين الهوية العربية”.. مضيفاً بأن “اللغة تربط أجيال الأمة وتضبط التفرعات العقائدية والمذهبية والطائفية، فلا تتحول الى كيانات مستقلة”.

وحول أهم الأسس الواجب اتخاذها لمعالجة ومواجهة المخاطر المحدقة باللغة العربية، قال حماده: “إننا نطمح إلى المعالجات الآتية :

– تثبيت هوية الأمة وتعزيزها بتعميق العلاقة بين شعوبها.

– زيادة الاهتمام بتدريس اللغة العربية وتحميلها تعاليم الوحدة القومية، واتباع طريقة ناجعة في تربية السليقة اللغوية الصحيحة، وتهذيب الطبع العربي السليم.

– توحيد المناهج التعليمية للغة العربية في بلاد العروبة، وتوحيد المصطلحات العلمية.

– إنشاء المجامع اللغوية في شتى الدول العربية، لتتبادل في يسر الشؤون الثقافية والعلمية، ومسألة التعريب بنوع خاص.

وختم قائلاً: “الأمة العربية اليوم في انحدار، فاسألوا لها معي النهوض والعنفوان”.

غانم

من جانبه أكد الرئيس السابق  لمجلس القضاء الأعلى الدكتور غالب غانم “أن الغنى لا يفوت اللغة العربية، والمرونة لا تفوتها، مما يجعلها مؤهلة لمواكبة حركة الحياة من دون أن تفقد أصالتها، ولا تنقصها خصوصية دينية جعلتها قادرة على مواجهة أي عامل من العوامل الزمنية التأريخية أو الآنية، التي تتلاعب بمصائر البشر، والتي بإمكانها أن تتلاعب بمصائر اللغات”. واستطرد قائلاً: “العربية تنطلق من حصانة ذاتية قد لا تتوفر لسواها، إقصاؤها من جهة اللغات المنافسة، أو العاميات، أمر بات عصيّاً كما أثبتت التجارب، فقوتها في الأصل مستمدة من كيانها، من جوهرها، من رسالتها، ومن سحر بيانها”.

20161224_134130

واعتبر غانم أنه “رغم هذه الحقائق الرواسخ، ثمة بالفعل أزمة متمثلة بوجود مسافة متسعة على الأغلب ما بين اللغة العربية ومقتضيات العولمة، ويُخيل إليّ أن أسباب هذه الأزمة متلونة ومتعددة”.

وقال: “بتنا نرى غياباً، وعلى الأقل غياب بريق، لمجمع علمي عربي موحد، يحافظ على أصالة اللغة ويفتح أفقاً جديداً في آن، يسهر على سلامتها كما يسهر على نمائها، يعتز بماضيها ويعزز فرص مواكبتها للغد”.

براك

أما الإعلامي بسام براك منسق اللغة العربية في الجامعة الأنطونية، فقد حمّل الاعلام جزءاً كبيراً من المسؤولية، متحدثاً عن أزمة اللغة العربية في الإعلام حيث اشار الى “أن المؤسسات الإعلامية منشغلة بالتنافس والإستقصاء عن أسرار الدولة والمجتمع وببرامج الواقع المزري، وبالتسويق الإعلامي الخالي من المتابعة اللغوية، إذ أن بعض المحطات ينسى بل يتناسى مسؤولوها اعتماد مدقق لغوي، كما لا تُعتمد القواميس والمراجع اللغوية من صرف ونحو والدورات اللغوية ضمن ميزانية المؤسسة، وعليه من السهل فهم ما يحل في المطبخ الإعلامي الداخلي وكيف تُقدم المادة اللغوية على طبق من أخطاء ومجازر بحق اللغة لكل مستمع ومشاهد”.

20161224_134153

وتابع قائلاً: “تبدو المسؤولية الانحدارية من سلّم الدولة والوزارة الى المجلس فمسؤولي المحطات فمديري التحرير متسلسلة بشكل تراتبي حتى وصولها الى الاعلامي الفرد محرراً مذيعاً ومقدماً، وهؤلاء بلا شك هم الواجهة الأساس للمحطة الإعلامية”.

(*) تحقيق عبير ريدان