النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

وسام القاضي

عندما طرح المعلم الشهيد كمال جنبلاط البرنامج المرحلي للإصلاح والذي تضمن مبدأ النسبية في الإنتخابات النيابية، كان يدرك تماماً واقع الوعي الشعبي آنذاك ومدى إنتشار الفكري اليساري العلماني على كافة أرجاء البلاد، حتى أن الإنتخابات النيابية التي كان مقرر إجراءها عام 1976 وأطاحت بها الحرب اللبنانية، كانت ستأتي بأكثرية نيابية للحركة الوطنية وبالتالي تتيح لها تغيير بنية النظام اللبناني من داخل مجلس النواب. وربما هذا كان عامل إضافي للإسراع في إشعال الحرب عام 1975 من قبل المخططين لها.

لا يوجد مشكلة بأي دولة في العالم تعتمد النسبية طالما أن إنتماء شعبها هو للوطن، ولا يوجد مشكلة طالما أن أحزابها هي أحزاب فكرية تستقطب أبناء الوطن من كافة شرائح مجتمعاتها، حتى الأحزاب المتطرفة يمينا ليست مقيدة بالإنتماء المذهبي والطائفي بل هي مقيدة بفكرها القومي الذي أيضا يستقطب عناصر من كافة مناطق دولتهم.

أما في لبنان وبعد جملة التطورات والتغييرات التي رافقت الأحداث اللبنانية، والتي قضت كليا على مسلك الأحزاب اللبنانية وفق عقائدها ومبادئها، وكبلتها بالقرار السياسي المرتبط بالتدخل المباشر لعهد الوصاية بعملها، فتحول التمثيل الحزبي إلى تمثيل مذهبي، وأصبحت الأحزاب تدافع عن مصالح ومكاسب مذاهبها، وكل ذلك على حساب الوطن ومؤسساته الدستورية، فتغيرت الصورة كليا وأصبح الخلل في تكوين الأحزاب والتنظيمات اللبنانية في بنيتها الداخلية.

من لا يذكر الخلاف المزمن ما بين خطي ونهجي كل من كمال جنبلاط وكميل شمعون، لكن تمثيلهما لقواعديهما لم يكن يوما تمثيلا مذهبيا أو طائفيا، لأن لكل منهما جماهير وشخصيات من كافة شرائح المذاهب اللبنانية وعلى إمتداد أرجاء البلاد. من هنا كانت النسبية آنذاك وسيلة سليمة للتمثيل النيابي الصحيح، أما اليوم فإن المطالبة بالنسبية هي من أجل بسط النفوذ المذهبي على مؤسسات الدولة.

كمال جنبلاط

ولتكشف الأوراق كما هي، وليرفع القناع عن الهدف المنشود، فالثنائي الشيعي، أمل وحزب الله، يستفيد كليا من النسبية لبسط نفوذه على لبنان، حيث من خلال النسبية يتواجهان بلوائح متقابلة ويحصدون أكبر عدد من التمثيل، ويقطعون الطريق على أي صوت شيعي آخر مستقل، كما يؤثران سلبا على كافة الأطراف الأخرى والتي لا يوجد في طوائفها ثنائيات كما هي لدى الشيعة، وهذا هو الطريق الأنسب لإيصال حلفائهم في الطوائف الأخرى، والذين هم أقلية ويعتمدون عليهم ماديا ومعنويا في القيام بدورهم السياسي المشروط، وبالتالي يسيطرون كليا على غالبية مجلس النواب.

إن رفض النسبية ليس من منطلق مذهبي، بينما المطالبة بالنسبية الكاملة هو بحد ذاته مطلب مذهبي متشدد لضرب التمثيل الصحيح للطوائف الأخرى. كما وأن هذا المطلب يقضي كليا على الأصوات العلمانية والديمقراطية والتي ظهر وجودها وإعتراضها جليا على الواقع المسيطر على المناطق من خلال الإنتخابات البلدية الأخيرة.

كما وأن بعض الوسائل الإعلامية تخطىء عن قصد أوعن غير قصد في شرح أبعاد مساوىء قانون الستين وإيجابيات النسبية، لأن من أولويات تطبيق النسبية هو بسحب العلم والخبر من كافة الأحزاب والتنظيمات التي لا تضم في صفوفها إلا أعضاء من لون مذهبي واحد، ويجب منع أي حزب أو تنظيم من المشاركة في الإنتخابات النيابية عبر النسبية إذا كان لا يضم في صفوفه أعضاء من مذاهب أخرى.

لقد ظهر جليا أن المطالبة بالنسبية الكاملة لا يهدف إلى حسن التمثيل الشعبي، بل يهدف إلى التسلل عبر بعض الأبواق وإستخدامها مطية للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية، لأن هؤلاء المتسللين سيصلون بأصوات بلوك إنتخابي مقفل مرتكز على تكليف شرعي.

لا يمكن أن يتطور ويتقدم البلد في ظل عدم وجود قانون عصري للأحزاب والتنظيمات اللبنانية، وهذا ضروري قبل قانون الإنتخابات النيابية، لأن الصوت المطلوب سماعه هو صوت المثقفين العلمانيين، صوت أحرار النفوس، صوت الديمقراطيين الحقيقيين الذين يؤمنون بالإنتماء للوطن وليس للخارج، الذين يعملون من أجل بلدهم ولا يفرقون بين أبناء بلدهم وفق مذاهبهم، ويؤمنون أن الوطن يتسع للجميع.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار

ماذا عن اليوم التالي للإنتخابات؟