لبنان الكتاب ولبنان الزواريب

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

يُشبِه عقوبة الأشغال الشاقة مشوار الوصول الى معرض بيروت للكتاب العربي والدولي في مجمَّع البيال في بيروت. تتوقف مراتٍ عدة بسببِ زحمة السير الخانقة في الطريق الى المكان، وتُعيقُ حركة السيارات بُرك المياه المُتجمِّعة من جراء سقوط الامطار الغزيرة، وتُتوَّج معاناتك عند إقتراب الوصول الى المعرض؛ حيث يصطفُّ المُساعدين او ” الشبيحة ” او ما يُطلق عليهم ” فاليه باركنغ ” فيتسابق كُل منهم لأخذ سياراتك الى موقفٍ مجاور، او الى الطريق العام المُخصص لعموم المواطنيين، وهؤلاء يضعون عوائق عليها لإستثمارها مقابل بدلات مادية، او يُرشدونك الى مواقف خاصة لتدفع البدل المالي المناسب، والذي يتجاوز قيمة كتاب في غالب الاحيان.

إنه صراعٌ من الطراز المتطور جداً، وبوسائل حديثة؛ بين لبنان العلم والثقافة والادب والتنوير والديمقراطية والتنوع، وبين لبنان الفوضى والزواريب والإستبداد والاستغلال والرشوة والفساد.

معرض بيروت العربي والدولي للكتاب الذي نظمه النادي الثقافي العربي بين 1 و14 كانون الاول/ديسمبر 2016 ؛ كان تظاهرةً تقافية وحضارية وعلمية بإمتياز، وكانت مساحات الممرات بين الكُتب المعروضة تعجُّ بالمارة والمُتسوقين. وغالبية دور النشر رعت تواقيع لكتبٍ جديدة؛ يمكن التوقُّف بجدية عند مستوى مضامينها المتنوعة والمختلفة. امَّا قاعات المحاضرات؛ فحفِلت على مدى ايام المعرض بالندوات المُتخصِصة حول المواضيع التي تضمنتها المنشورات الجديدة: من الشعر الى التاريخ الى الفلسفة الى السياسة الى الدين الى النفط والمياة الى فنون التغذية وصولاً لأحدث إبتكارات الطاقة الشمسية والرياح. وحضور هذه الندوات لم يكُن ضعيفاً كما جرت العادة في حضور مثل هذه الأنشطة، ولو كان قسم من الحاضرين للندوات والتواقيع يغلب على مشاركتهم سِمةُ المجاملة، اكثر مما تغلُب عليها الرغبة في تنمية الذاكرة العلمية او الثقافية.
لا يستطيع المُراقب – او المُشارك – ان يتنكَّر للحركية الثقافية والحضارية اللبنانية التي ترتسِم بمعالمها المتطوِرة في زاويا الاجتماع اللبناني، ولو على اقل مما ينبغي. ولكن التشوهات التي تُصيب الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية؛ اكبر بأضعاف، حيث ترى بوضوع الاستقطابات الثقافية والسياسية وحتى التي تتعلق بالتجارةِ والمُبيع؛ تدور بغالبيتها حول الذات الطائفية او المذهبية او المناطقية او النفعية الضيقة على أقلِ تقدير.
ومع تنامي مستوى المعرفة عند اللبنانيين – او لنقُل مستوى إختزان المعلومات – تُلاحظ ان جزء كبير من هذه الثقافة يشوبها تشويهاً يُشبِهُ تشوهات الاجتماع السياسي الذي تعيشه المنطقة العربية بمعظمها. فالحياة السياسية اللبنانية في ادنى مستوياتها، والاحزاب اللبنانية ممروضة بوباء التعصُّب والانغلاق وفقدان البرامج – بإستثناء القليل من هذه الاحزاب – وهي دخلت بمعظمها في سياسة الزواريب الانتفاعية او الطائفية او في سباق المزايدات الشعبوية. وهذه الشعبوية غالباً ما تُساعد على إنتاج الفوضى اكثر مما تُساعد على إستقرار الإنتظام العام.

مساعدة وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى آن باترسون التي زارت لبنان مؤخراً، قالت: “فوجئتُ بحجم الفساد المُستشري في لبنان” وبعد ان أكدت على استمرار دعم بلادها للجيش اللبناني الذي يتمتع بمصداقية، وكذلك مساندة بلادها للإستقرار الامني، قالت: لا بد للبنان من الخروج من دوامة النزاعات الفئوية الصغيرة والتطلُّلع لمستقبل واحد لجميع أبنائه بالتساوي.

بين لبنان الكتاب ولبنان الزواريب مساحةٌ تنمو فيها الاعشاب الشوكية القاسية، وهي مكانٌ مثاليٌ للوحوش البرية الفاسدة، وبعض هؤلاء يتحوَّلون احياناً الى نجوم على شاشات ترعى مصالح النافذين؛ يُحاضرون بالعفة، بينما الصحافة المكتوبة التي عادةً ما تصوِّب الامور؛ تتخبط بمشكلاتها وسط غيابٍ قلَّ مثيله في تراجُع مستوى الدفاع عنها عند كل من النقابتين؛ نقابة الصحافة ونقابة المحررين الذين لم يسبُق ان كانا في مثل هذه الحالة من الهامشية والضياع.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل