سقوط تدمر بيد “داعش” يكشف زيف ادعاء نظام الاسد بقتال الارهاب!
ناجي مصطفى (الأنباء)
16 ديسمبر 2016
في الوقت الذي تستمر آلة الحرب الهمجية السورية الروسية الايرانية بتسوية اقدم مدينة في التاريخ بالارض، كشف الهجوم المفاجىء لتنظيم داعش على مدينة تدمر ومطار تي فور العسكري المحاذي لها، بهتان دعاية النظام السوري بقتاله الارهاب، ذلك ان السقوط السريع لهذه المدينة الاثرية التي كان قد استعادها النظام وحلفاؤه قبل ثمانية اشهر فقط من ايدي مقاتلي داعش، أشر على نحو واضح أن النظام ومن خلفه روسيا وايران لا هم لديهم سوى الامساك بالارض في ما يسمى بسوريا المفيدة كي تكون الورقة الاساسية الرابحة على اي طاولة مباحثات قادمة، سواء في جنيف ام في غيرها، بما يضمن تأبيد بقاء بشار الأسد على رأس هذه الدويلة الاستراتيجية الرشيقة التي تضمن مجموعة من المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية سواء للنظام ذاته ام لحليفيه الروسي والايراني على حد سواء.
ولعل أبرز هذه المكاسب التي يتوخاها النظام وحلفاؤه تتمثل في ما يلي:
– ضمان بقاء روسيا عند سواحل المتوسط لا سيما مع الحديث عن سعي موسكو لإقامة مدينة عسكرية ثانية في طرطوس هي الاكبر في المنطقة، حيث ستستقدم اليها عائلات الضباط والجنود الذين سيخدمون فيها، وهذا ما يجري العمل عليه في دوائر القرار في روسيا حيث سيتم في الأيام القليلة المقبلة عرض مشروع قانون بهذا الخصوص على مجلس الدوما الروسي للبت به بشكل سريع بما يتلاءم مع تسارع الأحداث في سوريا.
– ضمان إيران بقائها في الشريط الممتد من دمشق الى الساحل السوري، ما يعني ضمان تطويقها للحدود الشرقية للبنان مما يؤمن التدفق الحر والسلس للمساعدات العسكرية الى حليفها حزب الله الذي يشكل رأس جسر للمشروع الايراني في المنطقة، وهو أمر لم يخفه القادة الايرانيون أنفسهم عندما تحدثوا عن تواجد إيراني عسكري على ساحل المتوسط في جنوب لبنان.
– تخفف النظام السوري من تبعات أعباء مساحات شاسعة من الحواضر والارياف شرق سوريا في محافظات الرقة والحسكة وغيرها والتي تتطلب تخصيص وحدات كبيرة من القوات المسلحة للسيطرة عليها، ما يشتت جهود جيش النظام الذي لا يقوى لوحده على إحكام السيطرة على ما يعرف بسوريا المفيدة لولا الدعم غير المسبوق لروسيا وإيران والمليشيات المئة وإثنين وخمسين العاملة معها، وهو ما تأكد بالوقائع الميدانية على مدى السنوات الست من عمر الصراع.
إن السقوط السريع لمدينة تدمر أكد المؤكد من أن شعار محاربة الارهاب الذي يرفعه النظام وحلفاؤه ليس سوى الحجة المطلوبة لمواصلة قتال قوى المعارضة الثائرة على النظام والقضاء عليها لمنع إحداث أي تغيير على مستوى السلطة عن طريق خلق وقائع ميدانية جديدة تحول دون تطبيق مقررات اتفاق جنيف وملحقاته الذي يتحدث عن مرحلة انتقالية تنتقل فيها السلطة من نظام الحزب الواحد الى نظام ديقراطي تعددي يكفل تمثيل جميع الاتجاهات السياسية والدينية في المجتمع.
ولعل المفارقة المدوية أن النظام الذي اطلق يد أجهزته ومليشياته الطائفية للتفنن بقتل وخطف وتعذيب آلاف العائلات الهاربة من جحيم القصف والتدمير الممنهج للاحياء الشرقية من مدينة حلب، أطلق بالمقابل احتفالات شعبية دبرت في ليل للابتهاج بـ “تحرير” حلب من الارهابيين، فيما الارهابيون الحقيقيون يتساهل معهم، ان لن نقل يطواطأ، لتمكينهم من الاطباق على تدمر، وكأن الارهاب لدى النظام ليس سوى ذلك اللحم الطري المدمى لأطفال حلب الذين أطبق عليهم بيوتهم بصواريخه الفراغية الهائلة التدمير انتقاما منهم لانحيازهم الى الحرية والتخلص من الاستبداد.
ما لم يجرؤ النظام على قوله بشأن تدمر، أفصح عنه رئيس هيئة الاركان السابق للجيش الروسي الجنرال يوري باليوفسكي، عندما أنتقد بشدة ما أسماه سوء التخطيط العسكري الروسي، بما يعني انقياد روسيا الى مجاراة رغبة بشار الاسد في تدمير مدينة حلب بصرف النظر عن كلفة ذلك على صعيد سمعة روسيا باستباحة قتل المدنيين، وترك تنظيم داعش يسرح ويمرح في مساحات صحراوية مكشوفة كان يمكن لطائرات استطلاع بدائية اكتشافها والتعامل معها وإحباط مسعى داعش للسيطرة على مدينة تدمر التاريخية.
لقد انتصر بشار الاسد وأعوانه على أبناء حلب بعدما تخلى عنهم العالم بأسره، لقد بدت الادارة الاميركية في ذروة ضعفها وترددها وارتباكها، كانت مكفوفة اليد مشلولة الارادة وهي تشهد تسيد الدب الروسي للمشهد السياسي في المنطقة، فيما بدا الصوت الخافت لتركيا مريبا بدوره، وكأن انقرة اكتفت بما أعد لها من دور في نطاق عملية درع الفرات بما يكفل إبعاد الخطر التركي عن حدودها الجنوبية، دون أن يكون لها أي دور فاعل او مقرر في مستقبل سوريا عندما توضع جثتها على طاولة التشريح والتقسيم.
مبروك للنظام السوري وحلفائه وقطعان مليشياته الطائفية مدينة حلب، الجثة الصريعة وجثث اطفالها الطرية الندية المهشمة تحت ركام الابنية المدمرة، ولإيران مبروك انتصار السيف على الدم هذه المرة بعكس العبرة المستوحاة من مصرع السيد الحسين في كربلاء، ومبروك لبوتين وهو يشرب من دم أطفال حلب نخب تنصيبه قيصراً روسيا جديدا طامحاً لاستعادة امجاد امبراطورية غابرة على حساب مبادىء حقوق الانسان.
(الأنباء)