شعرة معاوية بين الفساد وتمرير الإرادات

بقلم المهندس منير محمود

تأتي الحروب دائما بالفوضى، ويستغل البعض تلك الفوضى ليعيث فساداً وينخر سوسه في جسم الدولة فيزيدها فشلا.

ونتيجة التعددية التي تميز لبنان، فقد تعددت المصالح، وعرف النظام السوري في فترة انتدابه على لبنان كيف يلعب مجموعة من الألعاب مع الأطراف كافة، كلعبة العصا والجزرة التي استعملوها في الإخضاع، ولعبة توزيع الطرابيش لتعويد الناس على التسابق على الفتات.

ونظراً لطول فترة الانتداب، فقد انخرط  معظم السياسيين اللبنانيين في تلك الألعاب، وخصوصاً بعدما فقد البعض الأمل من نتيجة معارضته، ودخل الجميع مكرهاً أو راغباً، في دائرة الفساد.

وعندما خرج السوريون من لبنان، كان هذا النهج قد أصبح وسيلة للأطراف البديلة عنهم في استكمال تلك الألعاب، ومتابعة سياسة القضم المتزايد في جسم الدولة وخيراتها.

واليوم، اذا ما حاول طرف يائس من لعبة الهاوية تلك، أن ينبّه او يتفادى الانزلاق أكثر فيها، فإنه سيجد نفسه خارج التاريخ والجغرافيا، ولن يجد من يقف الى جانبه في هذا السيل الذي بلغ الزبى.

ولكن بعض أصحاب الشعارات، ممن سيخطر ببالهم أنهم سيبدأون عملية القضاء على الفساد، سيحاولون تكرار ما فعله الرئيس أمين الجميل فور انتخابه رئيساً، في استغلاله حادثة الثلوج يومها، مستنداً الى قوى الأمر الواقع، ليجعل من التغيير في المعادلة السياسية يبدو وكأنه حاجة ملحة على الناس أن يصفقوا لنظيفي الكف فيها.

وإذا ما خطر للبعض اليوم، أن يكرروا تلك الواقعة بطريقة أو بأخرى، تحت تأثير الأحلام الدونكيشوتية في الدفاع عن القيم والفروسية، فسيكون السيد كيخانو الجديد حالماً تماماً كسلفه في لامنتشا، وسوف يأتي الواقع المرير بعكس ما يعتقده هذا السيد، ولأن المعادلة الدولية هي من صنعت له طواحين الهواء على قياس رمحه كي تدفعه الى المحاولة..

كل الناس متفقة على انه من الواجب إنهاء نظام الفساد هذا، إلا أن الخلاف هو على من أين تؤكل كتف هذه اللوبيات.. ففي إيطاليا، بدأوا برأس الهرم للمافيات المتسلطة ولم يبدأوا بصغار التجار الذين ذابوا بعدما قطع رأس الأفعى، ولو بدأوا من المكان الخطأ، لكان عليهم تسييج كل إيطاليا وجعلها سجناً كبيرا.

وفي لبنان، بقي البعض مؤمناً بأنه لن يشارك في لعبة الجبنة، فقضم الآخرون عشاءه، وتناقص الدور الرئيسي الذي لعبه من كائن مؤسس للدولة الى عنصر مهمش يستكثرون فيه وزارة دولة. وخسر أكثر من ثلثي حصته من الوظائف العامة حتى لا يلعب لعبة الحصص. وعندما استلحق نفسه ببعض الفتات، لم يروا شعارا للفساد إلا وارادوا إلصاقه به.

ولكنه نظام الغابة، فعلى الأرنب فيه أن يبتدع الحيل كل ليلة كي لا يجد نفسه على مائدة وحوشها. وإلى أن يحل العدل الحقيقي، على كل حيوانات الغابة أن يبيتوا كل ليلة بكامل عدتهم ليس خوفاً من الدون إنما حتى من سانشو!

 (الأنباء)