جنبلاط: الأسد انتصر في حلب.. وكثيرون يريدون قتلي

ترتفع شجرة الميلاد المضاءة في دارة النائب وليد جنبلاط في كليمنصو عملا بتقليد قديم، يشمل إقامة عشاء عائلي ليلة العيد. إلا ان هذه الزينة الميلادية لم تكن كافية لإخفاء علامات القلق التي بدت واضحة على وجه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي».. وكلماته.

لا يكابر جنبلاط وهو يتابع مشهد حلب ودلالاته. يعترف بأن الرئيس بشار الأسد يحقق الانتصار تلو الآخر، إنما من دون أن يدفعه ذلك الى التفكير، ولو لبرهة، بطرق أبواب دمشق مجدداً.

يحاول الرجل تأمين انتقال هادئ ومتدرج لـ»السلطة» الى نجله تيمور، إلا أنه يخشى من مفاعيل الكفة الراجحة للأسد في الميدان، وصولاً الى تحسّسه بخطر داهم يحيط به.

لم يتردّد جنبلاط خلال حواره مع «السفير» في البوح بهواجسه الكامنة، قائلا: نعم.. بشار الأسد انتصر في حلب مستفيداً من تخلّي معظم المجتمع الدولي عن الشعب السوري، ولاحقاً سينقض على إدلب، وهذا يعني أن تأثيره في لبنان سيزداد، وأن القبضة الإيرانية ـ السورية على البلد ستشتدّ.

ويرى جنبلاط أن التذرع بالخطر التكفيري لـ«تبرير بعض المظاهر الاستعراضية ليس مقنعاً»، معتبراً أنه لا يوجد تهديد حقيقي من هذا النوع، يهدّد حاليا المناطق الدرزية في راشيا أو غيرها، ومستبعداً أن تحاول «جبهة النصرة» التمدّد في اتجاه هذه المناطق تحت ضغط تقدم قوات النظام على الجانب السوري من الحدود، «مع العلم أن دور «النصرة» مشبوه، وهناك خطوط مفتوحة بينها وبين الجيش الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل».

وفي سياق شرح التهديدات التي يشعر بانه يتعرض لها، يشير جنبلاط إلى أن التحذيرات التي تلقّاها منذ فترة من جهات أمنية رسمية جدّية، «ما فرض عليّ عدم التحرك إلا في حدود ضيقة جداً»، كاشفاً عن أن «حزب الله» نصحه كذلك بأن يأخذ جانب الحيطة والحذر ويخفف من تنقلاته.

ويرى رئيس «الاشتراكي» أنه مهما تعدّدت تسميات المجموعات التي تحاول اغتياله فان المتهم الأساسي يبقى من وجهة نظره هو النظام السوري. ويضيف: لقد قيل لي ان «داعش» يريد قتلي، ثم أبلغوني بأن «الكاوبوي» كان يخطط أيضاً لاغتيالي بإيعاز إسرائيلي. وفي أحدث المعلومات التي وصلتني أنّ عماد ياسين الذي اعتقلته مخابرات الجيش في «عين الحلوة» اعترف بأنّني كنت مدرجاً على لائحة أهدافه.

ويتابع جنبلاط: أعتقد أنّ صاحب المصلحة الأكبر في التخلص مني هو النظام السوري الذي ازداد قوة بعد التطورات الميدانية على جبهات القتال، وأنا أقيم معظم الوقت في المختارة، تقيداً بالنصائح الأمنية، ولولا اضطراري إلى إجراء عملية بسيطة في إحدى عينيّ، ما كنت لآتي الى كليمنصو في هذا الظرف.

ويلفت الانتباه إلى أنّ الذين كانوا يحمونه في سوريا لم يعودوا موجودين، من حكمت الشهابي إلى غازي كنعان وآخرين..

ولكن.. هل يمكن لوليد جنبلاط المعروف ببراغماتيته وتكيفه مع المستجدات أن يعيد يوماً ما مدّ الجسور مع الرئيس بشار الأسد، خصوصاً أنّ فرضية إسقاطه لم تعد واردة؟

يجيب جنبلاط: لن أنهي حياتي السياسية بإعادة ترميم العلاقة مع الأسد.. لست بهذا الصدد بتاتاً، حتى لو حقق النظام انتصاراً شاملاً. وعلى كلٍّ، سوريا التي أعرفها تغيرت ولا أظن أنّها ستعود، وأنا أنصح تيمور بأن يفعل الأمر ذاته عندما يتسلّم زمام القيادة.

ويبدي جنبلاط خشيته من تداعيات التحولات الديموغرافية في سوريا، تحت وطأة الحرب والتهجير، مشيراً إلى أنّ الكتل السكانية السنّية التي نزحت من المدن والبلدات التي كانت تقيم فيها، قد لا تعود إليها مستقبلاً على الأرجح، ربطاً بحسابات النظام.

ويؤكد جنبلاط أنه لن يترشح الى الانتخابات النيابية المقبلة، إفساحاً في المجال أمام تيمور ليأخذ دوره كاملاً، مضيفاً: لقد قلت له انه لن يكون بالضرورة كمال أو وليد جنبلاط بل عليه أن يصنع شخصيته وتجربته، وقد أوصيته بأولوية المحافظة على السلم الأهلي، وبضرورة الانفتاح على الجميع، وحماية مصالح الدروز مع مراعاة توازنات النسيج اللبناني المرهف، والسعي الى فصل لبنان الصغير عن اضطرابات المنطقة وأزماتها، كما أوصيته بان تبقى فلسطين حاضرة لديه، ولو في الذاكرة والوجدان.

ويدعو جنبلاط إلى الإسراع في تشكيل الحكومة، لافتاً الانتباه الى أنّه لا يوجد مبرر لهذا الصراع المحموم على الحقائب الوزارية في حكومة لن تستمر سوى لأشهر قليلة.

ويبدي جنبلاط تفهمه لموقف الرئيس نبيه بري قائلاً: الكل يريدون أن يحافظوا على الحقائب الأساسية التي كانت بحوزتهم في حكومة تمام سلام، فلماذا يرفض البعض ان تبقى «المال» و»الاشغال» مع بري، عملاً بالقاعدة ذاتها.. لقد آن الأوان لوقف هذه المناورة في مواجهة رئيس المجلس..

ولا يبدي جنبلاط أي قلق من تحالف «التيار الوطني الحر»- «القوات اللبنانية»، مشدداً على أن العودة الى امتيازات الماضي لم تعد ممكنة لاعتبارات عدة، والمهم أن يكون طرفا هذا التحالف مقتنعيْن كذلك باستحالة العودة الى الوراء. ويضيف: ان الدور المسيحي في لبنان ضروري وحيوي، بأبعاده الحضارية والوطنية، وهو بمثابة صمام أمان حتى على مستوى العلاقات الاسلامية – الاسلامية. المهم، ألا يحاول أحد ان يحرف مجدداً هذا الدور عن مساره السليم لنبش قبور أوهامٍ، لم يعد من مجال لإعادة إحيائها.

وفي ما خص قانون الانتخاب، يتوقع جنبلاط الإبقاء على «قانون الستين» لأن المهلة الضيقة الفاصلة عن موعد إجراء الانتخابات النيابية لم تعد تسمح بإنتاج قانون جديد، موضحاً أنه يرجح ان يؤدي «الستين» في ظل تحالف «التيار» و»القوات» الى فقدانه مقعدين نيابيين مسيحيين في كتلته، معترفاً بأن خسائره ستكون أكبر إذا تم اعتماد النسبية.

وفي تعليق لـ “النهار”، قال جنبلاط: “لا أتعاطى ولا أتدخل في هذه الأيام. إن للتأخير لزوم ما لا يلزم، وأتمنى ألا ندخل في دوامة أطول كالتي مررنا بها عند تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام وإستمرت 11 شهراً. وما عندي شي أكثر من هيك”.
(السفير، النهار، الأنباء)