ماذا يعني التصويت الأُممي الجديد لصالح فلسطين؟

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

حَظيت القضية الفلسطينية العادلة على تصويتٍ أُممي جديد يؤكد مشروعية النضال الفلسطيني، ويصوِّب الاتجاهات الدولية نحو الوجهة المُحقَّة، ويدحض كل الافتراءات والمُغالطات التي تُسيقها الدعاية «الإسرائيلية» الكاذبة للاستيلاء على الحقوق البديهية، والتاريخية التي تعود للشعب العربي الفلسطيني منذ مئات السنين.
في لجنة الشؤون الاجتماعية والإنسانية والثقافية التابعة للأُمم المتحدة، والمٌنعقِدة في 23 نوفبر/‏‏تشرين الثاني 2016، عُرِض مشروع قرار يتعلَّق بتأييد حق تقرير المصير والاستقلال للشعب الفلسطيني، بما في ذلك إقامة دولته المُستقلَّة وعاصمتها القدس الشرقية، فصوَّت إلى جانب القرار 171 دولة وعارضته 6 دول منها الولايات المتحدة و«إسرائيل» وكندا، وثلاث دول صغيرة تدور في فلكهم. وهذه اللجنة، تُعتبر من أهم اللجان المُنبثقة عن منظمة الأمم المتحدة، لأنها تهتم بملفات واسعة ومتشعِّبة، لاسيما منها ملفات اللآجئين والمهجَّرين، وملفات القيم الإنسانية والمعالم الثقافية.
نسبةُ التصويت المُرتفعة لصالح أحقية الشعب الفلسطيني في هذا الاجتماع؛ فاقت التأييد الذي حصلت عليه فلسطين قبل 42 عاماً عندما صوَّتت الجمعية العامة للأُمم المُتحدة على حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير من خلال القرار رقم 3236 تاريخ 22-11-1974، وقد صوَّت إلى جانب هذا القرار حينذاك 89 دولة واعترضت 8 دول وامتنعت 37 دولة عن التصويت. وهذا يعني أن نسبة التأييد الدولي للحقوق الفلسطينية المشروعة؛ ارتفعت من 66% في عام 1974 إلى 89% في نهاية عام 2016، قياساً إلى عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، حيث كانت 134 دولة عام 1974، وهي اليوم 192 دولة.
التأييد الدولي المُتزايد للقضية الفلسطينية؛ ينمُّ عن إرادةٍ دولية صادقة لإغلبية دول العالم من جهة، ولكنه يدلُّ على اضطراب واسع في المعايير الدولية، وفي العجز الدولي في آن، لأن تأييد حوالي 90% من المجتمع الدولي للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؛ ليس كافياً لكي تُعطى هذه الحقوق لمُستحقيها، لأن الاعتبارات التي تتحكَّم بتنفيذ القرارات الدولية يشوبها شوائب عديدة، وتتحكَّم فيها مقاربات الاستبداد والاستباحة، خصوصاً منها القرارات التي تُدين «إسرائيل» أو التي تُطالبها بإيقاف عدوانها السافر على الفلسطينيين وعلى الدول العربية المجاورة.
والاختلال في تطبيق المعايير الدولية بالتساوي على الجميع؛ ناتجٌ عن عوامل مُتعدِدة، لعلّ أهمها على الإطلاق:
* أولاً: عجز المجتمع الدولي عن تطبيق القرارات الدولية، لاسيما منها قرارات مجلس الأمن الدولي، وقرارات الجمعية العامة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بحق يُعطى للعرب، وللفلسطينيين منهم خصوصاً، ويُدين «إسرائيل»، لأن الضغوط التي تمارسها «إسرائيل» على بعض الدول الفاعلة كبيرةٌ جداً، خصوصاً على الإدارات الأمريكية المُتعاقبة التي لم تتجرأ على إغضاب «إسرائيل» ولو مرَّة واحدة.
* ثانياً: لأن العدوان «الإسرائيلي» الدائم على الشعب الفلسطيني، لا يكترِث للإرادة الدولية، ولا يفهم إلا بلغة القتل والتنكيل. والقدرات «الإسرائيلية» العدوانية كبيرةٌ جداً بفضل الدعم المتزايد الذي تُقدمه الإدارة الأمريكية «لإسرائيل».
مركز المعلومات الفلسطيني، التابع لوكالة الأنباء «وفا»، أحصى منذ بداية عام 2016 ولغاية نهاية شهر نوفمبر/‏‏تشرين الثاني 229 اعتداءً ارتكبته قوات الاحتلال «الإسرائيلي» في القدس، لاسيما على الأمنيين بالقرب من الحرم القدسي الشريف ومحيطه، ودوائر السلطة الفلسطينية أعطت العلم للأُم المتحِدة ووكالتها المُتخصِصة، ولم تفعل هذه الأخيرة أي شيء في مواجهة العدوان.
الاختلال في مسار السياقات الدولية الراهنة؛ يرسُم صورةً قاتمة عن العلاقات الدولية منذ مطلع الألفية الثالثة، وأكثر مما كان عليه الحال في النصف الثاني من القرن الماضي. ويبدو أن المشروعية الدولية شيء، وتطبيقها على أرض الواقع شيء آخر. فالغطرسة الدولية التي ترعاها بعض الدول أقوى من القرارات الدولية.
لا يمكن الاستخفاف بأهمية القرار الصادر عن اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية التابعة للأُمم المتحدة الذي صدر مؤخراً، وهو من دون شك يؤكِّد أحقية النضال الفلسطيني ومشروعيته أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً بعد قرار منظمة اليونيسكو الدولية بضم فلسطين إلى عضويتها عنوةً عن الإرادة «الإسرائيلية»، لكن إلى متى سيبقى التمرُّد «الإسرائيلي» محمياً بواسطة قوى الأمر الواقع الدولية؟

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية