الحكومة اللبنانية بين التكليف والتأليف والميثاقية

 د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

منذ ما يقارب الشهر؛ تمَّ تكليف الرئيس سعد الحريري بتأليف حكومة العهد الاولى من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد استشاراتٍ نيابية مُلزِمة نال فيها الحريري ثقةً وازنة، شملت مُعظم الكتل النيابية بما فيها كتلة الرئيس نبيه بري، وامتنعت عن تسميته – من دون الاعتراض على تكليفه – كتلة الوفاء للمقاومة.

واجهت حركة الحريري في عملية التأليف بعض الاعتراضات غير المتوقعة، لاسيما منها ما يتعلَّق ” بفزاعة” الميثاقية التي ينص عليها الدستور، او بتداعيات المسار السياسي الذي سبق إنتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، حيث برزت نتائج الاتفاق بين اكبر قوتين مسيحيتين الى العلن ( اقصد اتفاق التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية)، ودغدغ اتفاق الرئيس سعد الحريري ( لما يمثله من ثقل سني) معهما؛ مشاعر الاطراف الأُخرى، لاسيما مشاعر (الثنائي الشيعي، اي امل وحزب الله) وهما في اوجِّ نفوذهما، مستذكرين اتفاق العام 1943 بين الرئيس بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح، والذي إنبتق عنه ما يُطلق عليه: ميثاق 43، الذي حمَّله البعض مسؤولية انتاج طبقة من “المحرومين” والمهمشين سياسياً، رغم ان ظروف اليوم تختلف عن ظروف العام 1943، كما ان دستور اليوم يختلف عن دستور الامس.

امَّا المواضيع الميثاقية التي برزت بمواجهة تشكيل حكومة الرئيس الحريري؛ فكان اهمها التهديد بالمقاطعة الشيعية، والتي تُشبه التهديد الذي واجه تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام في العام 2014، حيث إشترط ثنائي امل وحزب الله عدم توزير اي شيعي، إلا بموافقتهما. ونقاط القوة عند هذا الثنائي النافذ؛ ما زالت مؤثرة للغاية، بل انها إزدادت توسُعاً مع تطورات الاحداث الأخيرة في حلب. والتوزير المذهبي- السياسي الصافي؛ يُعتبر بمثابة الثلث المُعطل الذي يهدِد إنفراط الحكومة في اية لحظة، نظراً لهشاشة التوليفة الديمقراطية اللبنانية التي تشترط تمثيل كل مكونات الأُمة في مجلس الوزراء. وما حصل مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2007 عندما استقال الوزراء الشيعة؛ ما زال ماثلاً للعيان، فكاد الامر ان يُحدَث حرباً اهلية حينها، وامتنع رئيس المجلس النيابي بعد إستقالتهم عن عرض اي من مشاريع القوانيين التي اقترحتها تلك الحكومة على الجلسات العامة للمجلس، لأنه كان يعتبرها بتراء وغير ميثاقية، رُغم ان نصابها الدستوري كان قائماً بوجود رئيسها وثلثي وزرائها.

منذ اللحظات الاولى بعد تكليف الرئيس سعد الحريري في 3/11/2016 ؛ اعلن حزب الله عن تفويض الرئيس نبيه بري في التباحُث مع الرئيس المُكلف بموضوع تشكيل الحكومة، وهذا يعني بطبيعة الحال التسكير على اي منفذ يمكن ان يستخدمه الحريري لتجاوز (الفيتو الشيعي)، ومهارة الرئيس بري التفاوضية؛ وسَّعت من مروحة المطالب وتغليفها بغطاء وطني، حيث قال: انه لا يدخل الحكومة من دون رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية. جنبلاط خرج فوراً من مربع الاشتراطات، لأن همه ان تتألف الحكومة بأي ثمن، لأن عمرها قصير اولاً، ولأن ملامح التعطيل الاقليمي بدت واضحة في وجهها. رُغم إمتعاضهِ من اسلوب التهميش الذي يُمارس بحق الطوائف الاقل عدداً، ويُشاطره في ذلك الإمتعاض ممثلي الروم الارتوذوكس والروم الكاثوليك والارمن.

الاريحية التي يتعاطى بها الرئيس الحريري لمواجهة عقبات التشكيل؛ مبنية على واقعية سياسية تفرض الابقاء على علاقة جيدة مع الرئيس بري وتبادل المجاملات الكلامية معه، وكذلك استمرار الحوار مع حزب الله، حيث عُقدت مساء الثلاثاء جلسة في عين التينة بين ممثلين عن تيار المستقبل وممثلين عن حزب الله بضيافة الرئيس بري.

القوى السنية الفاعلة سبق ان استخدمت الورقة الميثاقية واسقطت حكومة الرئيس امين الحافظ في العام 1973 لعدم رضى هؤلاء عن تشكيلها، ولكن عن طريق عدم منحها الثقة. وحاول التيار الوطني الحر ان يلعب هذه الورقة في حكومة الرئيس تمام سلام، ولكنه عطَّل عملها ولم يتمكن من سحب ميثاقيتها لوجود وزراء مسيحيين من غير المحسوبين على التيار فيها.

تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة كان بتفاهمات سياسية جرت قبل إنتخاب الرئيس عون، والعقبات التي برزت امام التأليف كانت سياسية بإمتياز، ولا يبدو انها تتعلَّق بتوزيع الحقائب فقط. فتشدُّد الرئيس بري وفريقه له خلفياته الواضحة، كما ان تسهيلات النائب جنبلاط على حساب حصته؛ وتخلي القوات عن الحقيبة السيادية؛ لهما حسابات سياسية ايضاً، على اساس ان استقرار الدولة وإنتظامها لهما الاولوية في الوقت الحاضر.

 

اقرأ أيضاً بقلم  د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

نظرية العزل السياسي سقطت الى غير رجعة!

الموازنة اللبنانية بين المعلوم والمَخفي!

التعقيدات التطبيقية في قانون الإنتخاب الجديد

عن فترة السماح السياسي للعهد

الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر

عن الانتخابات والاكثرية والنسبية والطائفية وصحة التمثيل

السلَّة والدستور اللبناني  

المختارة تُعيدُ التذكير بالفكرةِ اللبنانية

جهل بالتعاملات المصرفية ام قرار بقلب الطاولة؟

عن المزاج الشعبي بعد الانتخابات البلدية في لبنان

الانتخابات البلدية: حسابات القرايا* وحسابات السرايا

عن دور الدبلوماسية اللبنانية

كيف تتعطل إنتخابات الرئاسة اللبنانية؟

النازحون السوريون إلى لبنان: مأساة إنسانية متفاقِمة

الإنعطافة القواتية!

2016: زمن الاعتدال ونوافذ الانفراج

الحكومة اللبنانية: إتفاق وإختلاف تحت سقفٍ واحد