حسن إدارة الإنقسام أولاً

د. قصي الحسين

مع توقيع اتفاق “أوسلو” عام 1993، برز الانقسام إلى السطح بين مشروع السلطة الفلسطينية ومشروح حركة حماس، وظهر التناقض الخفي إلى العلن. وعقب فوز حماس بأغلبية المجلس التشريعي العام 2005/ 2006، بدأ الخلاف الحاد والصراع على الصلاحيات، بين رئاسة فتح وحكومة حماس. وسيطرت حماس على قطاع غزة، وطردت فتح منه وأقصتهم بالعنف والقتل والاغتيالات، فردت فتح على قهر حماس لها في القطاع، بقهرها لها في الضفة الغربية. ونالت من حماس وكالت لها، بالمقدار ذاته الذي نالت حماس منها، وكالت لها. فكان ذلك فرصة اسرائيل التي لا تعوض، لأجل التهرب من أي استحقاق لإنهاء احتلالها للضفة والقطاع. وزادت الشرخ بين حماس والسلطة، وعمقت الانقسام في السرّ والعلن وتواطأت عليه مع كل من أميركا والاتحاد الأوروبي، حتى حدود المبالغة، حين وجدت فيه ضالتها وجعلته حاجة من حاجاتها.

ودعوة البيت الفلسطيني لحسن إدارة الانقسام أولاً، فلئن مشروع النضال أو الجهاد الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، لا يكون في ظله، بل في ظل العمل الوحدوي، للوصول إلى مشروع وحدوي، وتقديم مشروع مواجهة الاحتلال على أي مشروع آخر، قبل انهيار سقف البيت الفلسطيني على الجميع، في ظل مشروع توسعة المستوطنات، جنباً إلى جنب مع مشروع بذر الشقاق بين الأخوة الفلسطينيين في الضفة والقطاع:

1- في الشكل، يمكن تبني حكومة فديرالية من الطرفين تضمن الاستقرار. وهي الطريق الممهد إلى الحل في المجتمعات المنقسمة لأجل الوصول إلى استقرار سياسي. وقد يؤدي ذلك إلى شكل من أشكال تقنين الانقسام، في ظل صعوبة الاتحاد والإدارة المركزية. إذ النظام الفيديرالي ربما كان المخرج المشرف لذلك.

2- ولأن صراع الشرعيات هو الذي أدى إلى الانقسام، يمكن تبني النظام البرلماني لضمان استقرار النظام السياسي، ويمهد ذلك لوجود شرعية واحدة منبثقة عن البرلمان المنتخب.

3- الاتفاق على اجراء الانتخابات بحسب النظام النسبي الكامل، فهو الذي يضمن التمثيل الأدق للشرائح الحزبية والاجتماعية المختلفة، وهو الذي يمنع بالمقابل هيمنة الحزب الواحد.

4- تشكيل محكمة دستورية للفصل في النـزاعات المختلفة بتوافق وطني على أسماء أعضائها. وتدعيم السلطة القضائية، وزيادة استقلاليتها، لتمارس الرقابة على تنفيذ الدستور والقانون.

5- انجاز “مبادئ شيكاغو ما بعد النـزعات”، حيث محاكمة المرتكبين للجرائم واحترام الحق في المعرفة الحقيقية. والاعتراف بالوضع الخاص للضحايا. واعتماد سياسة التنمية عن المسؤوليات، وتخليد ذكرى الضحايا والتشجيع الأهلي في التعاطي مع الانتهاكات السابقة. والمشاركة بالإصلاح المؤسسي لدعم سيادة القانون. وكل ذلك من خلال إنشاء لجان وطنية ترعى الإشراف على العدالة وسيادة القانون على الجميع.
6- العمل على تنفيذ قرارات المجلس المركزي، بوجوب تحديد العلاقة مع إسرائيل ومراجعة جميع الاتفاقيات المبرمة معها، وخصوصاً “اتفاقية باريس الاقتصادية” التي كبلت الاقتصاد الفلسطيني وكرست هيمنة إسرائيل عليه، وذلك من خلال الاعتماد على صيغة “الاقتصاد المقاوم”، لمواجهة التحديات المستقبلية.

7- ترسيخ ثقافة احترام الديمقراطية بركنيها: التعددية والمشاركة. لتعزيز التسامح ودعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية ولاحترام التنوع وتساوي المواطنين أمام القانون، مع ضمان حرية التعبير. بالإضافة إلى تعزيز مشاركة مؤسسات المجتمع المدني والتشجيع على زيادة اهتمام الجمهور بالانخراط السياسي.

8- اجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني بإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس ديمقراطية لتمثيل القطاعات الحزبية والاجتماعية والمستقلين.

9- المطالبة بميثاق وطني يتم فيه تحديد الهوية الفلسطينية وتعريف المقصود بفلسطين والفلسطيني، والانتقال لوضع الأهداف الاستراتيجية.

ABASS-PALASTINE

10- ولأنه لا يتم تحقيق استقرار الحكومة من دون توافق وطني على مهامها، فإنه لمن الأفضل أن ينحصر عملها في حسن إدارة وتصريف شؤون الحياة اليومية، وترك الشأن السياسي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.

11- الوقوف في وجه التحريض الإسرائيلي، على حكومة الوحدة الوطنية، وإفشال المصالحة وعدم الخضوع للإبتزاز الأميركي أو الأوروبي والإسرائيلي.

12- لا بد من الركون إلى التوافقات الإثنية والاجتماعية، عبر عقد اجتماعي وإلى التوافق السياسي المصلحي المبني على التحالفات الظرفية العقلانية، والتوافق حول قيم متعالية وكونية تخدم الحياة السياسية الهادئة في الضفة والقطاع وتمهد لذلك بين حماس والسلطة.

13- وبرأينا، إن كل ذلك يستوجب حكماً خارطة طريق فلسطينية تفضي إلى وضع حدّ للتدخل الاسرائيلي والأجنبي في الشأن الفلسطيني.

14- تغيير شكل الحكومة من مركزية إلى لامركزية/ فديريالية منبثقة عن نظام برلماني وانتخابات نسبية مع تعزيز السلطة القضائية.

15- وعلى الصعيد المجتمعي، لا بد من معالجة آثار الانقسام بتطبيق العدالة الانتقالية مع التحرر من التبعية وترسيخ التعددية والمشاركة. بالإضافة إلى تشكيل إطار سياسي جامع مع ولادة ميثاق وطني فلسطيني جديد. فللقضاء على الانقسام، لا بد من من حسن إدارة الانقسام أولاً.

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث