ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار
وسام القاضي
5 نوفمبر 2016
نستذكر في السادس من تشرين الثاني ذكرى ثورة أوكتوبر الإشتراكية عام 1917 حين وقف فلاديمير إيليتش لينين في الساحة الحمراء في روسيا القيصرية، ليرفع شعار “يا عمال العالم إتحدوا”. فكانت شرارة إنطلاق ثورات عقائدية وإجتماعية في العالم غيرت مجرى التاريخ محدثة خارطة سياسية جديدة في العديد من دول العالم، عبر ثورات قادتها حركات نضالية عديدة ضد أنظمة حكم بائدة في بلادها في جميع قارات العالم.
نقول هذا الكلام لأن قلة صغيرة من جيل القرن الواحد والعشرين تدرك ما هي ثورة أوكتوبر الإشتراكية وما خلفت وراءها من آثار إيجابية دعمت حركات الشعوب في تحررها وساعدت شعوب عديدة في النهوض من التخلف والأمية عبر فتح مجال التعليم والمساعدة في تقدم وتطور دول من خلال الدعم المقدم من الإتحاد السوفياتي ومنظومته الإشتراكية آنذاك. نستكر هذه الثورة النضالية المجيدة في عصر نخرت عظامه حركات أصولية جاهلة ومنظمات إرهابية تعيش فسادا في المجتمعات من الشرق إلى الغرب، نستذكر تلك الثورة الأخلاقية في فكرها وممارستها في عصر القتل والإجرام والتنكيل بالمواطنين وفق إنتماءاتهم المذهبية والطائفية.
عندما خاض كبار الثوريون نضالاتهم في وجه الظلم والإستبداد من دول أميركا اللاتينية مرورا بدول الشرق الأوسط وصولا لدول أفريقيا، كانوا قدوة في الممارسات الأخلاقية على شتى المستويات، وعملوا من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية والتآخي والمساواة بين المواطنين، إلا ان بعض الإنتهازيين الذين تسللوا داخل تلك الثورات للوصول إلى مواقع قيادية، قوضوا أهداف الثورة وشوهوا صورتها وحولوا دولهم إلى دكتاتوريات قمعية تنكل بالمواطنين، ولم يعد يربطهم بالعمل الثوري أي رابط على نقيض لمسار ثورة أوكتوبر الإشتراكية.
ولقد أنهكت سياسة دعم الشعوب في دول العالم الثالث الإتحاد السوفياتي، فالمساعدات الخارجية التي كانت تقدم لنهضة الشعوب وتحررها، كانت تتم على حساب الشعب السوفياتي ومتطلباته الحياتية، إضافة لأخطاء حيث تجمدت بعض الأفكار العقائدية ولم تتطور مع تطور العصر ومتطلباته، فجاء إنهيار الإتحاد السوفياتي نتيجة العامل الداخلي الذي كان متزعزعا بعد البيروقراطية التي سادت في أواخر عهد بريجينيف إضافة للمخططات الخارجية والحصار الذي كان يطوق الإتحاد السوفياتي، وكانت حركة الإستثمارات الخارجية غائبة كليا عن السوق السوفياتية وذلك من ضمن الحصار الذي كان مفروضا عليه.
وما أحوجنا اليوم أن نستذكر ثورات كوبا وبوليفيا والبيرو وغيرها من دول أميركا اللاتينية مع فيديل كاسترو وتشي غيفارا وغيرهم، وثورات اليمن والجزائر ومصر مع عبد القتاح اسماعيل وأحمد بن بلا وجمال عبد الناصر ورجالات كبار أمثال المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو والماريشال تيتو، إلى جانب العديد من الشخصيات الكبار التي تركت بصماتها البيضاء على صفحات التاريخ، ولا بد من الأجيال الحالية أن تقرأ عن تلك الثورات وأولئك الرجال في عصرنا اليوم حيث يشاهدون يوميا الجرائم الوحشية والقذارة الهمجية والإرهاب البربري الذي يحصد الأبرياء أينما كان.
إن ثورة أوكتوبر الإشتراكية والتي لم يكن ليتوقعها كل من ماركس وإنغلز من أن تحدث في روسيا القيصرية، ستبقى شعلة خالدة في تاريخ البشرية ولا بد من أن يأتي يوم أن توقد شعلتها من جديد بأطر أخرى لتطفىء نار الجهل والتخلف الذي يمارس اليوم من قبل حركات همجية بعيدة عن الدين والفهم الحقيقي لوجود الإنسان.
(*) رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية