سيناريو إفتراضي لما بعد إنتخاب عون!

ناجي مصطفى (الأنباء)

في الوقت الذي كان فيه مسؤولون من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية يتبادلون أنخاب الشمبانيا إحتفاء بانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية، كان عدد من مسؤولي حزب الله يجتمعون حول أكواب من الشاي يتدارسون مرحلة ما بعد إنتخاب الرئيس، وفي الوقت ذاته يجرون جردة لحساب الأرباح والخسائر جراء تمرير هذا الاستحقاق.

في كل إستقراء للاستحقاق ونتائجه المباشرة والاستراتيجية كان أركان الحزب المجتمعون يساورهم القلق مما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من وقائع وإحتمالات سياسية، هي بمجموعها لا تصب في مصلحة الحزب الذي أحكم قبضته على الملف الرئاسي نحو سنتين ونصف السنة ممتنعا عن المشاركة في جلسات الانتخاب التسعة والأربعين، ما لم يكن المرشح الوحيد للرئاسة هو حليفهم رئيس التيار الوطني الحر.

صحيح أنه كان لحزب الله ما اراد حيث “انصاعت” غالبية القوى الوازنة لرغبة الحزب، كي لا نقول لاملاءاته، فنزلت بقضها وقضيضها إلى المجلس النيابي مقترعة للجنرال العنيد، لكن الحزب إزداد قلقه أكثر رغم أنه حصل على ما أراد.

ونقزة حزب الله ليس من واقعة الانتخاب بذاتها بل مما حصل في الطريق إلى الانتخاب، فخصم حزب الله المسيحي الدكتور سمير جعجع يعيش شهر عسل سياسي مع الجنرال منذ توقيع ورقة إعلان النوايا وحتى لحظة الانتخاب، وهو ما بدا واضحاً من خلال التناغم بين قواعد كلا الطرفين والذي جرى التعبير عنه بكلام صريح عن وحدة الموقف المسيحي.

وعلى المقلب الإسلامي عادت أواصر الثقة والعلاقة بين خصم الحزب الآخر تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية إلى سابق عهدها، وكذلك الأمر في العلاقة المستجدة بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، لا سيما في ضوء التفاهم الباريسي الذي جرى نسجه بعيدا عن الأضواء بين نادر الحريري وجبران باسيل وهو ما أثار حفيظة الثنائي الشيعي خصوصاً في ضوء ما تسرب عنه من بلوغه مرحلة التفاهمات على شكل الحكومة المقبلة وعلى توزيع الحقائب بمعزل عن الشريك الشيعي.

أما على مقلب قوى الثامن من آذار، صحيح أنه لم يصدر أي موقف نقدي عن المرشح الثاني للرئاسة سليمان فرنجية إزاء عدم تبني حزب الله لترشيحه أو أقله وقوفه على الحياد في اللعبة التنافسية الديمقراطية بين حليفيه الاذاريين، فإن الصمت هنا لا يمكن تفسيره بأنه رضى من الزعيم الشمالي عن موقف حزب الله لا بل إن ما جرى تبادله من مواقف إيجابية بين الحريري وفرنجية يحمل بذاته إشارات ذات دلالة تعبر عن امتعاض مضمر لفرنجية من موقف حزب الله  في مقابل تفهم وإقتراب أكثر من إمكانية نشوء علاقات إيجابية وتنسيق أكبر في مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس بين الزعيمين البيروتي والشمالي.

وإذا أضفنا إلى كل ذلك تباين في النظرة إلى الاستحقاق الرئاسي بين الحليفين الشيعيين حركة أمل وحزب الله لا سيما في ما يتعلق بالموقف من ترشيح عون، وإن كان هذا التباين لا يمكن أن يؤدي إلى اختلاف بينهما لأكثر من سبب وسبب، فإن مجمل ما تقدم كاف لاثارة قلق حزب الله ذلك أن الغطاء المسيحي الذي وفره التيار الوطني الحر لخيارات حزب الله وطموحاته المحلية والاقليمية بات مطاطا لدرجة أنه سيغطي حكما اليوم وفي المستقبل الشريك المسيحي أولا اي القوات اللبنانية وثانيا الشريكين المسلمين سعد الحريري ووليد جنبلاط، بمعنى أن غطاء التيار العوني لم يعد حقا حصريا لحزب الله بعد جملة المتغيرات التي سبقت الاستحقاق الرئاسي والمرشحة لأن تترسخ أكثر في المرحلة اللاحقة عليه،كما لم يعد لحزب الله جميل تمنين التيار بايصال رئيسه إلى سدة الرئاسة الأولى ذلك أن هذا التحول السياسي الهام ما كان ليحصل لولا التأييد العارم لكل من الدكتور جعجع والرئيس الحريري والزعيم وليد جنبلاط بالتكافل والتضامن فيما بينهم وتفاهمهم على التصويت للجنرال عون.

ما هو تصور حزب الله للمرحلة المقبلة؟ وكيف سيتعامل الحزب مع جملة المتغيرات السريعة، والمفاجئة له ربما، التي بدلت معطيات “الستاتيكو” السياسي والذي بقي جامدا في ثلاجة الانتظار على مدى السنوات الثلاثة الماضية؟ أسئلة يجيب عنها القادم من الأيام، فهل ستتبدل الأحكام بتبدل الأحوال وفقا للقاعدة الفقهية الشهيرة؟ أم سيبقى كل شيء على ما هو عليه اليوم؟ وهو ما يعد شذوذا على قواعد العمل التي تحكم السياسة؟

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم ناجي مصطفى (الأنباء)

اعتماد النسبية… مدخل الى الاخلال بالتوازنات الداخلية في لحظة احتدام طائفي على مستوى الاقليم

بين موسكو وطهران: اختلاف استراتيجيات في سوريا… أم أكثر؟!

غياب المشروع العربي فتح قابليات القوى الاقليمية للتوسع والسيطرة

لماذا شيطنة قانون الستين وتقديس النسبية؟

سقوط تدمر بيد “داعش” يكشف زيف ادعاء نظام الاسد بقتال الارهاب!

حرب الفيتوات المتقابلة تهدر فرص تأليف الحكومة وتعوق انطلاقة العهد!

وليد جنبلاط المسكون بهاجس التاريخ… قلق من لعبة الأمم!

بعد الانتخاب والتكليف ومساعي التأليف: حكومة الفرصة الأخيرة ما قبل الانهيار والفشل!

بعد تجاوز قطوع ترشيح عون… ماذا عن التكليف والتأليف؟!

الاستحقاق الرئاسي: بين سلة بري واستعجال عون!

الاستحقاق الرئاسي: بين ارتباك المستقبل ومناورات حزب الله!

عام على التدخل الروسي في سوريا: اي حصيلة واي نتائج؟

سوريا: قوى تتقدم وأخرى تنكفىء وأشلاء وطن تنزف دما وهجرة!

وليد جنبلاط داعية الوحدة في زمن الانقسام الطائفي والمذهبي

بعد ثورات الربيع… أليس لهذا الليل العربي من أخر؟!

عن الميثاقية المظلومة… ما لها وما عليها!

مستقبل سوريا: اخر محاولات للتسوية والا التقسيم

في ذكرى مصالحة الجبل: تأكيد الاصرار على العيش الواحد

لبنان في ثلاجة الانتظار… الى متى؟

زيارة وليد جنبلاط الى الصرح البطريركي… اي ابعاد؟