ماذا عن اليوم التالي للإنتخابات؟
وسام القاضي
28 أكتوبر 2016
كم هو مستغرب أن نسمع بعض الأصوات تدعي أن الإستحقاق الرئاسي هذه المرة هو صناعة لبنانية، وكم هو مستغرب أن يظن البعض أن تأخير عملية الإنتخاب لسنتين ونصف هو من اجل أن تكون الإنتخابات الرئاسية بإخراج لبناني.
فهل الأطراف اللبنانية التي ترتبط إرتباطا وثيقا بمراجعها الخارجية قد فكت إرتباطاتها هذه لتكون قراراتها صرف لبنانية؟ بالطبع لا، وبالتالي فإن الرياح الدولية والتغيرات الإقليمية هي التي حتمت الوصول إلى هذه التسوية لإنهاء الفراغ، وهذه التسوية عنوانها العريض تقاسم الحكم ما بين العماد عون لرئاسة الجمهورية والرئيس الحريري لرئاسة الحكومة، وعراب هذه التسوية هم الروس الذين أمسكوا بخيوط اللعبة على الساحة السورية في ظل التراجع الأميركي، وفرضوا التسليم بتولي الحريري رئاسة الحكومة على كل من الإيرانيين والنظام السوري.
لم يكن لبنان يوما بمعزل عن إنعكاسات الأوضاع الإقليمية والدولية عليه، فكيف بالأحرى في ظل الإنقسامات الحادة والحاصلة في لبنان منذ عام 2005. وإذا كان الظرف الحالي قد تقاطع مع حلم العماد ميشال عون بتولي الرئاسة الأولى فإن السؤال البديهي الذي سيطرحه المراقبون هو كيفية الحكم في العهد الجديد.
لقد شهدت الساحة اللبنانية تقلبات كثيرة في ميزان القوى عبر التاريخ وأقله في النصف الثاني من القرن الماضي وبداية هذا القرن، وبالتالي مهما تعاظمت القوة الداعمة لأي فريق يصل إلى الحكم إلا أن حكمه لا يدوم أو لا يستقر إذا كان ينطلق من فكرة إنتصار فريق على آخر، أو من فكرة بسط النفوذ والسيطرة باللون الواحد، وعلى جميع الفرقاء الذين سيشاركون في الحكم أن يقرؤا التاريخ جيدا ويأخذوا منه العبر، فلا تغريهم إحتفالات الفرح بالإنتصار، ولا تنعشهم مجريات الأحداث الخارجية، هذا إذا كانوا جادين فعلا ببناء دولة، خاصة وأننا نشاهد بأم العين كيف تنهار وتتشرذم الدول من حولنا.
لو لم يكن الشعب اللبناني منقسماً وفق إنتماءاته المذهبية والطائفية لكان من الممكن الحديث عن إنتصار هذا الفريق السياسي أو خسارة ذلك الفريق، لكن الواقع هو محاولة تحييد لبنان من الصراع القائم في المنطقة عبر إيجاد تسوية تعطي بصيص أمل لكي يتنفس الشعب اللبناني ويخرج من مشاكله الناتجة عن الفراغ الرئاسي والأزمة السياسية.
إن تعاطي الحكم الجديد يجب ان ينطلق من ثوابت تحييد لبنان، لأن الشعب اللبناني غير موحد الرؤية نحو ما يدور من حولنا، وبالتالي لا يمكن فرض الخيارات السياسية المنحازة في العلاقات الخارجية، وفي ما خص التعاطي الداخلي فإن المشاركة للقوى الفاعلة والتي لها تمثيل على الأرض والتي تؤمن وتسير بنهج الإعتدال هو الأساس في إستمرار الإستقرار للعهد الجديد، لأن أي محاولة ضغط لإضعاف القوى المعتدلة عبر سياسة الكيدية والانتقام سيقوي خط التطرف، خاصة ونحن على مشارف إنتخابات نيابية بعد الإنتهاء من الإستحقاق الرئاسي وتشكيل حكومة العهد الأولى.
من هنا يجب التأكيد على التلاقي والوحدة، وإعتبار التسوية هي تسوية “لا غالب ولا مغلوب” كما جرت العادة في لبنان، لأن أي محاولة لإثبات نصر ما على أي فريق، مهما كانت قوته أو قوة من يدعمه، هو بمثابة إشعال فتيل الحرب مجددا وبث روح الفتنة بين شرائح الشعب اللبناني، وتاريخ لبنان خير دليل على ذلك.
(*) رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية