روحاني يتقدّم.. والحرس يتراجع!

أسعد حيدر (المستقبل)

الى أين يمكن أن يصل استهداف «الحرس الثوري» في «الجمهورية الروحانية» في تكوين «المستقبل» الإيراني؟. هل الجمهورية الروحانية» قادرة على مواجهة «الحرس« مع كل ما يمسك به من مراكز القرار في مجالات الأمن والقطاعات الاقتصادية وبالتالي صياغة الحياة السياسية الداخلية ومساراتها في الداخل وباتجاه الخارج كما يحصل الآن ومنذ ربع قرن وأكثر؟

ربما أكثر ما يشجع القوى المعارضة لانفلاش «الحرس» الى درجة الهيمنة، من «روحانية» و»رفسنجانية» و»إصلاحية»، على الدخول في مواجهة معه، والقول ولمن يقف معه علناً وبوضوح «كفى»، وقوع إيران على تقاطع طرق حادة واستراتيجية، لا يمكن الهرب أو التملص منه،

لأنه استحقاق مستقبلي يحدد خيارات الجمهورية الإسلامية لعقود طويلة.

في هذا المخاض العميق والحقيقي، لم تعد قراءة ما يجري في إيران الداخلية، بحاجة الى «قاموس الرموز» لفكفكة الرسائل الموجهة الى عناوين معيّنة غير ظاهرة أو محددة كلياً في كل خطاب أو حتى قرار سياسي، وذلك كما جرى ويجري منذ قيام «الجمهورية». في الأصل سيادة «التقية» لدى الإيراني الشيعي، عقّدت أصلاً وبشدة عملية استخلاص الظاهر من الباطن، حتى إذا جاءت الجمهورية الإسلامية وتركيبة مواقع القرار المعقدة فيها، وهيمنة المعممين على دوائر السلطة ومراكز القوى، زادت وعمّقت هذا التعقيد، وبالتالي الحاجة الدائمة لملاحقة التطورات لتحديد مسار كل جهة وقوة سياسية واقتصادية وحتى عسكرية على حدة.

الانتخابات الرئاسية في منتصف أيار من العام القادم أشعلت فتيل الصراع، لأن نتيجتها ستحفر عميقاً في تحديد مستقبل الجمهورية على وقع خيارات التعامل مع العالم وعلى قاعدة الاتفاق النووي وارتداداته التي لم تتوقف منذ توقيعه حتى الآن.

الشيخ هاشمي رفسنجاني «حصن» الثورة والجمهورية يقود حالياً «الهجوم» علناً، يعرف جيداً أن المستقبل لم يعد «ملك يديه»، لكنه قادر على اختيار الخطوط الأساسية والمركزية لرسم «الجمهورية» التي يريدها والتي لم تتحقق حتى الآن، انطلاقاً من طبيعته الشخصية كرجل حوار وانفتاح على محيطه الداخلي والخارجي». لذلك بعد أن رفع الجنرال قاسم سليماني رسالة الالتزام بالقائد وأنه ليس أكثر من «جندي» بعدما قيل إنه يستعد لإعلان ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، استقبله رفسنجاني من دون الإعلان عن ذلك. كعادته انتظر رفسنجاني عدة أيام حتى يعلن رأيه بوضوح من نشاطات «الحرس الثوري» بصيغة «التحذير» وهي لغة طارئة على التخاطب مع «الحرس» إذ حذره من «تداعيات تدخلاته في الحياة السياسية الإيرانية لأن ذلك يعني دخوله في مواجهة مع الشارع الإيراني».

طبعاً ما عجّل في صدور هذا التحذير، أن المرشد آية الله علي خامنئي كان قد أصدر توجيهاً طالب فيه بأن تجري الانتخابات القادمة «بشفافية« وأن لا يتدخل الحرس بالسياسة» وهذا أصلاً مادة في الدستور الإيراني. رغم ذلك فإن هذا القرار كان قد مضى عليه خمس سنوات في «أدراج» مكتب المرشد، ويبدو أن التحولات العميقة لموازين القوى سمحت الآن بإعلانه الذي ترجمته المباشرة تحويل مركز قوة في جسم الحرس الى خاصرة ضعيفة تقيّده وتحدّ من تنامي قياداته سياسياً.

لم يعد سراً أن «الحرس الثوري»، له في كل مشروع تزيد ميزانيته على عشرة ملايين دولار حصة في الانتاج والادارة. أيضاً إن مؤسسة «خاتم الأنبياء» التابعة لـ«الحرس الثوري« تملك 812 شركة منتشرة على جميع القطاعات من النفط الى الحديد والاسمنت وصولاً الى الحاجات الشعبية اليومية، وقد نجح «الحرس» في فترة المقاطعة الطويلة في رفع أرصدته وثروته خصوصاً من عمليات تهريب السلع. لذلك أعلن الرئيس روحاني قبل أيام أن الحكومة نجحت في خفض حجم التهريب من 25 مليار دولار الى 15 مليار دولار». الأهم من ذلك أن الحكومة فتحت مجال تطوير وتحديث النفط وكبداية لذلك منح حقل «ازدغان الجنوبي« الى شركات أجنبية، مما يعني عملياً «قصقصة» لأجنحة «الحرس» الاقتصادية. لذلك رأى الجنرال عبد اللهي قائد المؤسسة (علماً أن رئيس الأركان الجنرال محمد باقري المعين حديثاً هو الذي طوّر الموقع طوال فترة توليه مسؤوليتها) «من العار أن نكون تحت أيدي أجانب.. فنحن، أي «خاتم الأنبياء»، نستطيع أن ننفذ المهمات»، هذا القرار أثار قيادة «الحرس» لأنه بداية لعملية «قضم وهضم»، لنفوذه الاقتصادي الذي جعله قوة مقررة في الجمهورية.

أخيراً فإن علاقة «البينغ – بونغ» بين المرشد خامنئي والرئيس روحاني تشهد تصعيداً في الاختيارات الاستراتيجية لإيران. ففي الوقت الذي يرفض الأول انخراط إيران في العولمة بحجة أن الانضمام الى المجتمع الدولي يشكل «نموذجاً بارزاً لإعادة إنتاج ثقافة التبعية»، فإن الثاني يدعو الى تحسين العلاقات الدولية لإيران خصوصاً وان الاقتصاد العالمي لا يعرف حدوداً«.

إصلاحي إيراني، يؤكد أن «تجديد روحاني الرئاسة لولاية ثانية أصبح مضموناً، مضيفاً أن كل يوم جديد تشهد فيه إيران تراجع المتشددين وعودة «الحرس« الى بدايات الجمهورية والالتزام بالدستور، لأن لا مستقبل لإيران إلا بالدخول في العالم الجديد الذي يعلنه يومياً كل من رفسنجاني وروحاني»..