الدور الفرنسي والإخفاقات الأميركية

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

هل يعوِّض الدور الفرنسي الجديد عن الإخفاقات الأمريكية المتتالية فيما يتعلق بالملفات الساخنة في الشرق الأوسط، وتحديداً فيما يتعلق بالأزمة السورية وما يجري في حلب؟
سؤال فرضته التطورات الجارية في المنطقة، بعد أن بلغ الفشل الأمريكي في التعامل مع الأحداث مرتبة مُتقدمة، وذهبت ضحية هذا الإخفاق أرواح كثيرة، ودفعت مقابله قوى سياسية – خصوصاً العربية منها – أثماناً باهظة.
فيما يتعلق بالإخفاقات الأمريكية – أو التغييرات في أحسن تقدير – بدا واضحاً أن واشنطن فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق بعض التوازن مع السياسة الروسية في سوريا، والتردّد الذي اعتمدته في مفاوضاتها مع الجانب الروسي في جنيف ولوزان وغيرهما، أعطى موسكو فرصة لتدعيم موقفها في سوريا، وكسبت المزيد من الوقت لإحداث تغييرات جذرية في موازين القوى لمصلحة النظام، وأدخلت شيئاً من اليأس في صفوف المعارضة «المعتدلة»، أو لنقل تركتها بلا غطاء دولي، وأجبرتها على الدخول بتسويات مع النظام في أكثر من مدينة سورية – لاسيما في داريا والمعظمية وحمص وربما في حلب – للحفاظ على المدنيين.
وبدت الولايات المتحدة مُترددة أو ضعيفة في مواجهة الاندفاعة الروسية، بعد دخول أسطول الشمال الروسي الأقوى إلى مياه البحر المتوسط، بينما ظهرت واشنطن في موقف غير مسبوق، بل ومُحيِّر، عندما وقَّعت على اتفاقية هدنة سورية غير متوازنة مع موسكو في 9/9/2016، ترافقت مع خطوة غريبة وقاسية عبّر عنها الكونغرس الأمريكي بإقراره «قانون جاستا» الذي يطال أصدقاء أمريكا، ويؤشر على طعن واشنطن لهؤلاء الأصدقاء، أكثر مما يطال الإرهابيين.
وسط هذا الضياع الأمريكي المُحيِّر؛ تُطِلُ باريس بقوة على مسرح الأحداث لوقف مسلسل الانهزام أمام الطموحات الروسية في المنطقة، وقد بدأت فرنسا في خطواتها المُتشددة في مواجهة الاندفاعة الروسية بتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن يُدين الهجمات الروسية في حلب، ويدعو لوقف فوري لإطلاق النار فيها، لكن موسكو استخدمت حق النقض «الفيتو» ضده.
وتطور الموقف الفرنسي المناهض للموقف الروسي إلى اشتراط الرئيس فرانسوا هولاند على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مناقشة الأزمة السورية فقط لاستقباله خلال زيارة كانت مقررة للأخير إلى باريس في 19/10/2016 بمناسبة تدشين أكبر كاتدرائية أرثوذكسية روسية في الخارج، ما أدى إلى إلغاء زيارة بوتين الذي رفض الشرط الفرنسي مُعتبراً أن زيارته لهولاند بروتوكولية.
القمة الألمانية – الفرنسية – الروسية التي عقدت في برلين في 19/10/2016 كانت بمثابة الدعوة العاجلة للرئيس بوتين، وهي إن كانت مُخصصة لبحث الملف الأوكراني والملف السوري، إلا أن الثاني كان هو الأساس على جدول الأعمال، وأدت مواقف الرئيس هولاند والمستشارة ميركل المتشددة في مواجهة بوتين؛ إلى إعلان الأخير تمديد الهدنة التي أعلن عنها في حلب من 8 ساعات إلى 4 أيام، بمعدل 11 ساعة يومياً.
الجانب الفرنسي يرى أن الإنفلاش الروسي في الشرق الأوسط هدفه إضعاف الاتحاد الأوروبي، ذلك أنه يقضي على النفوذ التاريخي لدول هذا الاتحاد في المنطقة، وهو مصدر إزعاج للاستقرار الأوروبي؛ لأنه يدفع بالنازحين للزحف نحو أوروبا هرباً من الحرب في سوريا.
من جهة أخرى ترى باريس أن الاستيلاء الروسي الكامل على حلب ومحيطها، سيؤدي إلى حسم الصراع في سوريا لمصلحة النظام، من دون تفاهمات ضرورية على مستقبل سوريا تفرضها المصالح الدولية، وتستوجبها مسألة عودة ملايين النازحين السوريين من الخارج، وهؤلاء يؤثرون في مستقبل سوريا باشتراكهم في الانتخابات إذا ما حصلت برعاية دولية، وبقائهم خارج سوريا يؤدي إلى تغييرات ديمغرافية كبيرة في التوزيع السكاني لسوريا، كما أنهم مصدر قلق في الدول التي تحتضنهم إذا ما ظلوا فيها، خصوصاً في لبنان والأردن.
قد يساهم الدور الفرنسي المُتشدد مع موسكو في استعادة بعض التوازن المفقود مع روسيا في الشرق الأوسط، إلا أن ذلك رهين بدعم الاتحاد الأوروبي للدور الفرنسي في هذا الاتجاه، لأن التهديدات الروسية بتصعيد الموقف، تطال دول الاتحاد برمتها. كل ذلك بانتظار الإدارة الأمريكية الجديدة التي قد تُغير صورة التردُد الأمريكي المُقلِق، وبالتالي تُغيِّر الموازين.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية