خيارات المسيحيين.. ما بعد بعد انتخاب عون

جليل الهاشم (المستقبل)

يستقر المشهد السياسي في لبنان مع إعلان الرئيس سعد الحريري دعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، على حالة من الانتظار والترقب لما أحاط هذا الموضوع من أفعال وردود أفعال قد تنتج إعادة تموضع سياسي للقوى السياسية في لبنان.

ولعل ما يدلل على هذا التوجه هو ما اختصره رئيس مجلس النواب نبيه بري في ما صدر عنه من مواقف خلال الأيام الأخيرة والتي أشّرت إلى انفراط عقد قوى الثامن من آذار وإعادة تشكيل الخريطة السياسية في البلاد.

تقول مصادر متابعة إن ترشيح العماد عون من قبل رئيس تيار «المستقبل« يكشف المستور في علاقة قوى الثامن من آذار في ما بينها. لقد ثابر الرئيس بري ومنذ اللحظة الأولى للاستحقاق الرئاسي في العام 2014 على التأكيد بأنه يسير حكماً بما يتوافق عليه المسيحيون فلم يفوت حضور جلسات انتخاب الرئيس الـ45 وأكد التزامه بالدستور والميثاق، غير أن جدية الرئيس سعد الحريري بترشح العماد عون دفعت بالرئيس بري إلى اعلان عدم تأييده عون والى إعلان عدم تسهيله مهمة تشكيل الحكومة، والانتقال إلى المعارضة السياسية التي على ما قال إنّ له « أساليبه « فيها.

من جهة أخرى، يترقب المسيحيون ما ستؤول اليه الأحداث المتسارعة، وبالتالي فهم يتوزعون على خيارات محتملة، ومضيّ الرئيس الحريري بترشيح العماد عون وانضمامه إلى الدكتور سمير جعجع في دعم هذا الترشيح وتثبيته. ومن دون أدنى شك سيفضي تبنّي ترشيح الحريري لعون إلى تعزيز الدور الميثاقي للرئيس الحريري وتياره السياسي في أوساط غالبية المسيحيين.

ويبقى الاعتراض المسيحي على ترشيح العماد عون اعتراضاً مبدئياً غير أنه لا يمثل وزناً سياسياً يضاهي وزن الذين يؤيدون الترشيح.

فالوزير سليمان فرنجية يمثل حالة سياسية مناطقية في لبنان الشمالي وحزب «الكتائب« الذي يحاول رئيسه الشاب استعادة المبادرة في العمق المسيحيي والوطني على السواء يمثل شرائح محدودة من الرأي العام المسيحي. أما المستقلون، والذين إما ينحازون لترشيح الوزير فرنجية، وإنما يميلون إلى التريث في دعم العماد عون، وإما يعارضون ترشيح الاثنين على السواء، فيفتقدون بالتالي إلى رافعة سياسية مسيحية ووطنية يستظلونها خلال هذه المرحلة الدقيقة والمصيرية من تاريخ لبنان.

ولعل الأسئلة التي تكتسب مشروعية على هذا الصعيد تتصل بقدرة الدكتور جعجع والعماد عون على حماية هذه المبادرة الجريئة التي أقدم عليها الرئيس الحريري والتي يعتبرها الكثيرون من اللبنانيين على قدر كبير من المخاطرة السياسية .

إن المشروع السياسي الذي ينتهجه الرئيس الحريري يفتقد، الى حدّ ما، إلى شبكات الأمان السياسية المطلوبة بشدة حالياً، فإذا كان الحريري بخطوته الجريئة هذه قد أكد على جديته في البحث عن حلول تحمي الجمهورية والميثاق وتضمن التوازن الوطني، فحريّ بالدكتور جعجع والعماد عون الرد بروح ميثاقية على مبادرته وتأمين المطلوب لحمايتها.

والاسئلة التي يطرحها المسيحيون المعترضون على هذه المبادرة لها كذلك مشروعيتها السياسية في رأيهم. فالقائلون بأن العماد عون لم يخرق منذ العام 2006 حتى اليوم أي بند من بنود تفاهم مارمخايل مع «حزب الله«، يتساءلون إذا كان العماد عون على استعداد لخرق بنود هذا الاتفاق حيث تتعارض مضامينه مع المصلحة الوطنية العليا.

والقائلون كذلك من المسيحيين بأن ترشيح العماد عون والوصول إلى سدة الرئاسة هو مشروع غلبة إيرانية في لبنان سيبقون على حق حتى إثبات العكس، وهو ما يعلن العماد عون ايمانه به منذ مدة والذي أكد عليه مراراً من منطلق ميثاقي وهو أنه مرشح لكل لبنان ولبنان فقط.

أخيراً وليس آخراً، لن يكون غريباً على بعض المسيحيين اللبنانيين الذين يعارضون ترشيح العماد عون والوزير فرنجية على السواء، السعي الى تشكيل جبهة سياسية تضم لبنانيين من كل الاتجاهات والمشارب وتنتهج سياسة الرقابة على سلوكيات العهد وتوجهاته. تلك هي المشهدية السياسية التي تتمظهر بكل وضوح في المشهد السياسي المسيحي والتي ستؤكدها الأيام أو الأسابيع المقبلة.