توتر دولي غير مسبوق

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

منذ 1960؛ العام الذي قُرعت فيه طبول الحرب الكونية – التي لم تقع – على مشارف جزيرة كوبا؛ لم يسبق أن وصل التوتر بين الدول الكبرى إلى هذا الحد من السخونة، رغم مرور العالم بمجموعة من المطبات السياسية والأمنية الكبيرة، بل بالتحولات الجذرية التي حصلت في مطلع تسعينات القرن الماضي، حيث انهارت الثنائية القطبية بسقوط الاتحاد السوفييتي السابق، وتفكّكه أمام التماسك الغربي، أو الأمريكي المقابل. ومنذ ما قبل هذا التاريخ بكثير – أو لنقل منذ أيام القياصرة الروس – لم تنغمس موسكو في حرب مباشرة في أي من مناطق الشرق الأوسط كما هو عليه الحال اليوم، وهي بالتالي لم تَخُض أيّ حرب في أيّ دولة عربية منذ عام 1769 حتى اليوم.

في عام 1770، وصل أسطول الإمبراطورة الروسية كاترينا إلى شواطئ المتوسط، وخاض بعض الحروب المتقطعة في بيروت وعكا، وكان هدفه تشجيع الحركات العربية الناشئة في سوريا ولبنان وفلسطين ومصر على مواجهة الهيمنة العثمانية، لأن تركيا كانت الخصم اللدود لروسيا في سياستها الأوراسية، وفي مناطق الشرق الأدنى. ولم يحدث في تاريخ العلاقات العربية – الروسية أية حالة عداء عسكري في الماضي، حتى إبان وجود السوفييت في اليمن الجنوبي في سبعينات القرن الماضي، وكانت السياسة الروسية تدعم على الدوام القضايا العربية في المحافل الدولية، خصوصاً قضية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا منذ سبتمبر/أيلول 2015 أعاد خلط الأوراق في ما يتعلق بالعلاقات العربية – الروسية، وهو يستجرّ توتراً دولياً هائلاً بين الدول العظمى، ينذر بشرٍّ عالمي مستطير.

ما جرى في مدينة حلب السورية منذ سقوط الهدنة التي توصّل إليها الجانبان الروسي والأمريكي في 9-9-2016 بمدينة جنيف، كان عملاً عسكرياً غير مسبوق بحجمه، واستهدافاته.

وحلب مدينة سورية استراتيجية، لها مكانتها التاريخية في ذاكرة المسلمين والعرب، وفيها تتقاطع مجموعة من المصالح الدولية والإقليمية، لكونها العاصمة الاقتصادية لسوريا، ولكونها قريبة من الحدود التركية في شمال سوريا، ومن يستولي على حلب يكون، بشكل أو بآخر، قد ربح الحرب الإقليمية والدولية التي تجري على أراضي سوريا والعراق.

ما جرى في حلب، زاد من منسوب التوتر الدولي بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة ثانية، وتداولت وسائل الإعلام معلومات عن استعدادات عسكرية دولية من أكثر من جهة للانخراط في معركة حلب، وقد تؤدي إلى تفاقم الوضع على شاكلة واسعة يصعب ضبطها بالسهولة التي يراها البعض.

إن مشاهدة المشادات الكلامية التي جرت خلال جلسة مجلس الأمن الدولي إبان مناقشة مشروع القرار الفرنسي – الإسباني حول حلب، ومشروع القرار الروسي في 8-10-2016 تؤكد وضعية التوتر العالي، وغير المسبوق الذي يعيشه العالم جراء التجاذبات الكبيرة في ما يتعلق بالمواقف مما يجري في حلب.

مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، سامنتا باور، استخدمت كلاماً قاسياً بحق روسيا، واتهمت قواتها الجوية بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في حلب، وقالت إن بلادها سوف تعلق أي تعاون مع موسكو بانتظار جلاء الموقف، وتنفيذ هدنة إنسانية في حلب. وقد ساند مندوبا فرنسا وبريطانيا في المجلس الموقف الأمريكي، منددين بقوة، بالجرائم التي ارتكبت في حلب، فيما رد المندوب الروسي عليهم متهماً واشنطن بدعم المنظمات الإرهابية.

الفيتو الروسي ضد مشروع القرار الفرنسي – الإسباني والتصويت ضد مشروع القرار الروسي، عطّل آلية عمل مجلس الأمن، وانتقلت المشاحنات الدولية من مستوى المندوبين المعتمدين لدى المنظمة الدولية إلى مستوى أرفع، شارك فيه وزراء الخارجية، بل والرؤساء في أحياناً كثيرة.

الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي كان يعتبر أن سوريا ليست مصلحة حيوية لواشنطن، أوقف كل قنوات التواصل والتنسيق مع موسكو، فيما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اعتبر أن الولايات المتحدة «قد تُقدم على لعبة خطرة جداً، إذا ما قامت بضرب المطارات العسكرية السورية». أما وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون فقال «إن روسيا ستصبح دولة مارقة إذا ما استمرت في عدوانها الوحشي على حلب».

والأخطر من كل ذلك في سياق حلقات التوتر الدولي، كان إلغاء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى باريس التي كانت مقررة في 19-10-2016، لأن الرئيس الفرنسي اشترط عليه مناقشة الأوضاع في سوريا قبل أي شيء آخر.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية