ربيع 2008 وخريف 2016: اوجه الشبه المُخيفة

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

كان الإنقسام السياسي عمودياً اكثر من اليوم في ربيع العام 2008، وكانت الاصطفافات قاسيةٌ  بين قوى 8 آذار المؤيدة لسوريا وقوى 14 آذار المُناهضة لها، وكانت البلاد من دون رئيس جمهورية بعد ان انتهت ولاية اميل لحود وعجز مجلس النواب عن إنتخاب بديلاً له. اما التوتر في الشارع؛ فكان على درجة كبيرة من الغليان، وقوى 14 آذار وجمهورها رفعوا سقف اعتراضاتهم السياسية على التفلُّت الامني – خصوصاً في مطار بيروت – بينما رفعت قوى 8 آذار من وتيرة استعداداتها الامنية والعسكرية الى درجة الاستنفار.

وقعت الواقعة في 7 ايار 2008 والايام التي تلت، وكاد الإنفجار الامني يُهدِد الدولة برمتها، ويُطيح بكل الإنجازات التي تحققت بعد مصالحة الطائف التاريخية في العام 1989. لكن حِكمة بعض القيادات اللبنانية مُضافةً الى جهود عربية ودولية؛ افضت الى عقد مؤتمر مصالحة في العاصمة القطرية، نتج عنه اتفاق على إعادة الاوضاع الامنية الى ما كانت عليه بإشراف الجيش والقوى الشرعية الأُخرى، وكذلك اتفق المجتمعون في الدوحة على إنتخاب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان رئيس للجمهورية.

منذ بداية ايلول/ سبتمر الماضي؛ تعقَّدت الاوضاع السياسية في البلاد على وتيرة غير مسبوقة . والإنسداد السياسي الذي يواجه الحكومة ومجلس النواب كبُرَ الى حجمٍ غير معتاد وخطير على حد تعبير رئيس الحكومة تمام سلام. فمقاطعة التيار الوطني الحر للحكومة طرحت مسألة الميثاقية التي يرتكز عليها دستور الدولة، كما ان فشل مجلس النواب في الإنعقاد لإنتخاب رئيس جمهورية جديد بعد فراغ زاد عن السنتين ونصف؛ خلق وضعاً مشدوداً ومُقلقاً، يصِل الى حد التشكيك بالعقد الاجتماعي الوطني برمته، لكون الرئيس يمثل المسيحيين بالسلطة وفقاً للأعراف المعمول بها.

ومنذ تفاقُم الاوضاع العسكرية والانسانية في مدينة حلب السورية بُعيد إنفراط الاتفاق الاميركي – الروسي في 9/9/2016؛ تسلَّلت الى الاوساط الشعبية والسياسية لغةٌ مُستجدة عن مؤامرات لإغتيال قيادات سياسية، وعن مشاريع لإنشاء مجموعات ميليشياوية تحت شعاراتٍ واهية تتحدث عن دعم الجيش، ومنها ما يُسمى ” حُماة الديار ” او سرايا التوحيد ” وقبلهم سرايا المقاومة التي تكبرُ الشكاوة عن إنفلاشها في بعض المناطق يوماً بعد يوم.

ومع حصول بعض المظاهر والممارسات المُخلِّة بالامن في الفترة الاخيرة، وبروز الدعوات للنزول الى الشارع؛ إزدادت المخاوف من إنفلات الاوضاع، رُغم الإنجازات الكبيرة التي يقوم بها الجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام. وعلى سبيل المثال: فإن حادثة التعدي على مجموعة تابعة لقوى الامن الداخلي في شرق صيدا الاسبوع الماضي؛ مُخيفة، وتثير التساؤلات. وهي ترافقت مع تصريحات للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تُشيد بالعناصر الذين قاموا بتوفير الامن للمسيرات التي تُنظَّم بمناسبة ذكرى عاشوراء في عدد من المناطق اللبنانية، وهذا يعني ان هناك أجهزة ظل امنية تقوم بمهام القوى الشرعية، مما يُحفِّز الاطراف المُقابلة على استنهاض مشاريع ميليشياوية مُشابهة. ولا يكفي في هذا المجال إشادة السيد حسن نصرالله بالجيش والقوى الامنية وبرغبته المُعلنة بالإستقرار، لأن الفسيفساء اللبنانية الشديدة التنوع والحساسية؛ لا تركُن عادةً الى مثل هذه التصريحات من اي جهة كانت.

والتشابه بين ربيع 2008 وخريف 2016 كبيرة من حيث التداعيات السياسية، ذلك ان مبادرة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الرئاسية وغير المُكتمِلة، لم تُحدِث صداً كافياً في اوساط القوى الداعمة علنياً للعماد ميشال عون كمرشح لرئاسة الجمهورية، وهذه القوى عادت لتمتين اصطفافاتها الجبهوية ويدور حراكها ضمن فريق واحد تقريباً. وبالتالي فإن المبادرة قد أُجهِضت على ما يبدو قبل استكمالها. وهذا الواقع يؤكد ان موضوع الرئاسة اللبنانية ينتظر دوحةً جديدة، لكن معطيات إنعقاد مثل هذه الدوحة غير متوافرة، لأن القوى الإقليمية والدولية الكبرى غير مبالية بلبنان، كما ان ظروف التسويات في المنطقة غير مؤاتية على الإطلاق، ولبنان حلقة ضعيفة ولكنها مهمة في الكباش الاقليمي الكبير.

يبدو جلياً ان معركة حلب لها تأثيرات كبيرة على مستقبل لبنان والرئاسة، وعلى الإستقرار في آنٍ واحد، ولكن هل تسمح قساوة الظروف الاقتصادية وهشاشة الوضع المعيشي بالإنتظار؟

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية