تحديات الأمن القومي العربي

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

يواجه الأمن القومي العام للدول العربية تحديات غير مسبوقة، منها تحديات وجودية، ومنها تحديات تستهدف المصالح الاستراتيجية العليا لبلدان عربية عديدة. والمقصود بالأمن القومي العربي، حماية حالة الاستقرار التي تعني مُعظم الدول الوطنية، أو القطرية، أو المجموعات العربية الجهوية، كمجموعة دول المغرب العربي، ومجموعة دول المشرق العربي، ومجموعة دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى دول وادي النيل والقرن الإفريقي.
تلك المجموعات برُمتها، تعيش حالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار، يتفاوت فيها التحدي الأمني والاستراتيجي بين منطقةٍ وأخرى. الدول العربية الواقعة في القارة الإفريقية تتعرض لمخاطر من جراء بعض الاضطرابات الأمنية التي تقف وراءها مجموعات إرهابية مُتطرِفة، إضافة إلى القلاقل الناتجة عن صراعات داخلية، كما في ليبيا والصومال والسودان، وبعض هذه الدول تواجه صعوبات اقتصادية كبيرة. أما المشرق العربي الذي يضم لبنان وسوريا وفلسطين والعراق، فيقع على فالق زلازل سياسية وأمنية ليست من الأنواع العادية، وقد تؤسِّس إلى تغييرات جوهرية في الخريطة، كما قد تؤدي إلى اختلالات واسعة في موازين القوى الإقليمية.
أمّا الجزيرة العربية التي انبعثت منها العروبة بالأساس، فهي أمام أخطار غير عادية، ولم يسبق أن كانت مُستهدفة من الخارج في الماضي كما هو عليه الحال اليوم.
مما لا شك فيه أن أحد أهم أسباب الاختلال في الأمن القومي العربي اليوم، هو غياب التماسُك بين الدول العربية، ونجاح المتربصين شراً بمصالح الأمة العربية في اختراق بعض الساحات العربية وخلق فوضى لا مثيل لها في عدد من الدول، خصوصاً في العراق وسوريا، وعلى درجة مختلفة في لبنان واليمن وليبيا. وقد أضيفت هذه المشكلات إلى تحدٍ أساسي مُتمثل بالعدوان «الإسرائيلي» الدائم على الشعب الفلسطيني، وعلى الدول المجاورة في لبنان وسوريا ومصر والأردن.
إن ديالكتيك التاريخ يفرض صراعاً دائماً بين الدول والشعوب، أو تنافُساً على المصالح على أقل تقدير، لكن ذلك لا يمنع من وجود الاستقرار ضمن معادلة هذا الصراع.
ما نشهده اليوم، صورٌ تختلف بكل المقاييس عن مشهديات التنافس العادية بين الدول، أو بين المحاور الدولية والإقليمية الكبيرة، كما أن نوعية التدخلات والأطماع والاستهدافات، فيها شيء من التحلّل الأخلاقي عند بعض الدول، كما تحمُل بعض الاستخفاف بالشخصية العربية التي حفظت عبر التاريخ تقاليد مشهوداً لها بحسنِ الجوار، واحترام الآخر، بصرف النظر عن بعض المحطات التي اختلطت فيها المفاهيم من جراء التدخلات الاستعمارية.
لا شك فيه بأن «إسرائيل» تُشكِلُ مصدر الخطر الأساسي على الأمن القومي العربي، وتأثيراتها على بعض الأوساط الحاكمة في عواصم الدول الكبرى – خصوصاً في واشنطن وموسكو – تقلب المُعادلات في سياسة هذه الدول، ودائماً ليس في اتجاه المصالح العربية، بل بما يُساهم في تغليب حالة التشرذم في الداخل العربي، ويزيد من فُرص التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية. وما حصل في العراق وسوريا يُعتبرُ مثلاً على هذه الانعكاسات، ذلك لكون سياسة الدول الكبرى بالتفاهُم مع ««إسرائيل»» أدت إلى إطالة الاضطرابات، والى استمرار عمليات القتل والتدمير، وفتحت الأبواب أمام تدخلات القوى الإقليمية أكثر فأكثر.
واستهداف الأمن القومي العربي في الجزيرة العربية لا يقلُ شأناً عن الاستهداف الذي يطال بلاد الشام. لم تكتف الجهات الخارجية بتشجيع المجموعات الإرهابية والمتطرفين في مواجهة الحكومات المحلية، بل لجأت إلى خلق حالة تمرُدية في غاية الخطورة على أرض اليمن، ما أدى إلى اغتصاب السلطة في بعض المناطق اليمنية، واستباحة دوائر الدولة على يد مجموعاتٍ حوثية متمرِدة، تدعمها ميليشيات تابعة للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
حادث الاعتداء الذي تعرضت له سفينة الشحن الإماراتية المدنية بالقرب من مضيق باب المندب على يد ميليشيات يمنية متمرِدة مدعومة من إيران، يشكِلُ التهديد الأخطر للأمن القومي العربي برُمته، ذلك لما يحمله هذا العدوان من أخطار تطال سلامة الملاحة البحرية في أهم المضائق العربية والدولية على الإطلاق. وهذا الاعتداء إشارة واضحة على تفلُّت المجموعات المُتمرِدة من كل القيود الأخلاقية والقانونية، ويستوجب التنبّه لما يُحاكُ مستقبلاً من مخططات تستهدف تقويض الأمن القومي العربي برمته. وقد ترافق هذا الاعتداء في باب المندب مع اختراقات يومية تقوم بها سفن إيرانية للمياه الإقليمية اليمنية، ما يؤكد الاستخفاف الذي تتعاطى به الدول الإقليمية المجاورة مع السيادة العربية في أكثر من مكان، ويفرض بالتالي التنبّه لمواجهة محاولات تغيير الموازين في أكثر من اتجاه في مناطق حساسة من المساحة العربية.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية