السلَّة والدستور اللبناني  

 د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

حسناً فعل البطريرك بشار الراعي ومعه مجلس المطارنة الموارنة في رفض “السلَّة” التي كان  يُحكى عنها كتوليفة للدخول الجدي في عميلة إنتخاب رئيس للجمهورية المُعطلة منذ ما يزيد عن سنتين ونصف السنة. ويوازي إيجانية رفض السلَّة؛ موافقة الرئيس نبيه بري على كل مُندرجات بيان المطارنة، وقد ضيَّف على نيته كعك العباس العشورائي.

كان اللبنانيون مُنقسمين بعد مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية الاخيرة؛ بين مؤيد للسلَّة ومُعارض لها، فطالما ان رموز كل من اطراف النزاع اعلنوا عن رفضهم لها؛ يعني ذلك ان اللبنانيين غير مُختلفين، وهم متفقون على مقاربة الملف الرئاسي، وبالتالي؛ لا يوجد اي مبرِّر لإطالة الازمة، ولإبقاء البلاد في هذا الوضع الصعب، والمُعقَّد، والخطير؛ منذ فترةٍ طويلة.

اوساط متابعة لما جرى، ترى: ان مؤشرات الموافقة على البيانات الصحافية، وما سبقها، وما تلاهى من تحركات؛ لها معانيها المختلفة عن المعاني التي تعتمدها اغلبية القوى السياسية، فهي اذ جنَّبت البلاد تعقيدات طائفية جديدة كانت تنتظرها من جراء ردة فعل بكركي على موقف الرئيس بري، من خلال الحِكمة التي تعاطى بها الفريقان؛ ولكنها اكدت – ودائماً حسب الاوساط ذاتها – ان تسوية ملف الرئاسة بعيدة المنال، وغير مؤكد حصولها في القريب العاجل، كما كان شائعاً.

وما يُشير الى ان انتخاب الرئيس لن يكون قريباً جداً؛ هو تأكيد بيان المطارنة الموارنة على اعتماد مندرجات الدستور دون غيرها كمعيار وحيد لإجراء الانتخابات الرئاسية، وبطبيعة الحال فإن الرئيس بري والرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط، ومعهم العديد من القوى النيابية الأُخرى، لا سيما القوات اللبنانية وحزب الكتائب والنائب سليمان فرجية ومستقلين؛ يؤيدون هذا المسار الدستوري الذي يعني: نزول النواب الى البرلمان وإنتخاب رئيس من دون اية مقدمات، او اي شروط مُسبقة.

????????????????????????????????????

وترى الاوساط المتابعة ذاتها: ان الذي فتح باب “السلَّة” هم الذين يشترطون التوافق على اسم الرئيس قبل النزول الى مجلس النواب لتكريس رئاسته دستورياً، فالإشتراطات هذه؛ هي التي فتحت الباب لإشترطات أُخرى وليس العكس. فالرئيس بإنتخابات ديمقراطية ومن دون تعطيل النصاب شيء، ورئيس بتسوية مُسبقة شيءٌ آخر. وعلى من يشترِط التوافق على رئيس مسبقاً ان يتحمل مسؤولية الشروط المُسبقة على فريقه – من دون الإخلال بصلحيات الرئيس الدستورية – خصوصاً ان الرئيس المعني بهذه التسوية فريق اساسي في معادلة الخصومة السياسية في لبنان، وله صداقاته الخارجية المُختلفة عن صداقات الذين سيقومون بإنتخابه.

صحيح ان الاغلبية من القوى السياسية باتت تتهيب مخاطر الفراغ على الدولة، وبالتالي على الحياة الاقتصادية والامنية والاجتماعية للناس، وهي مُستعجِلة لإنتخاب رئيس بإي ثمن؛ ولكن التفاهمات المُسبقة على بعض الملفات التي طُرحت على طاولة الحوار؛ طبيعية، ولا تعني بأي حال من الاحوال خرقاً للدستور، فقبل اتفاق الطائف وبعده؛ كان يحصل بعض التفاهمات مع فريق الرئيس العتيد، وهي جزء من اللعبة السياسية في كل البلدان الديمقراطية.

يُخشى من ان تكون الإصطفافات الاخيرة التي انتجتها التجاذبات الطائفية حول “السلَّة”، قد اطاحت بالتسوية التي عمِل لها الرئيس سعد الحريري قبل إعلانها رسمياً. وبيان المطارنة الموارنة الموضوعي والرصين؛ كان واضحاً لناحية دعوة الجميع للإلتزام بمندرجات الدستور، ويعني هذا احترام صلاحيات الرئيس الدستورية، وعدم تكبيله بقيود تؤثر على هذه الصلحيات في المستقبل، ولكنه بالمقابل؛ يعني دعوة الجميع للإلتزام بآلية الإنتخاب التي نصَّ عليها الدستور ايضاً، ومَن خَرَق هذه الآليه بتطيير نصاب جلسات إنتخاب الرئيس؛ هي الكتل المُستفيدة من التسوية الرئاسية الجديدة – اذا ما حصلت.

معبران إلزاميان لرئيس الجمهورية العتيد: السلَّة – اي التسوية او التفاهمات المُسبقة – او التزام آلية الدستور. والطريق الثاني هو الاسلم، ولمصلحة الدولة والجميع.

 

اقرأ أيضاً بقلم  د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

نظرية العزل السياسي سقطت الى غير رجعة!

الموازنة اللبنانية بين المعلوم والمَخفي!

التعقيدات التطبيقية في قانون الإنتخاب الجديد

عن فترة السماح السياسي للعهد

الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر

عن الانتخابات والاكثرية والنسبية والطائفية وصحة التمثيل

الحكومة اللبنانية بين التكليف والتأليف والميثاقية

المختارة تُعيدُ التذكير بالفكرةِ اللبنانية

جهل بالتعاملات المصرفية ام قرار بقلب الطاولة؟

عن المزاج الشعبي بعد الانتخابات البلدية في لبنان

الانتخابات البلدية: حسابات القرايا* وحسابات السرايا

عن دور الدبلوماسية اللبنانية

كيف تتعطل إنتخابات الرئاسة اللبنانية؟

النازحون السوريون إلى لبنان: مأساة إنسانية متفاقِمة

الإنعطافة القواتية!

2016: زمن الاعتدال ونوافذ الانفراج

الحكومة اللبنانية: إتفاق وإختلاف تحت سقفٍ واحد