أي قراءة للإستحقاق الرئاسي بعد عودة الحريري إلى لبنان؟

يبدو المشهد الداخلي قبل عودة الرئيس سعد الحريري وبعد عودته إلى لبنان لا يزال على حاله، كما يتجه نحو المزيد من التأزم في ظل تصاعد الهواجس الأمنية التي باتت ترخي بتشنجاتها السياسية غير المريحة على الأوضاع الداخلية الهشة التي تزداد انقساماً واستقطابا وفرزاً. وهذا ما أكدته أوساط سياسية واسعة الإطلاع لـ “الأنباء”، التي أضافت بأن محاولة البعض في لبنان التعاطي بنفحة اللامبالاة والخفة تارة والتشكيك والتسخيف تارةً أخرى مع تطورات الأحداث الخطيرة الجارية في المحيط والجوار لا سيما في سوريا لا يعدو كونه مجرد دخان لإخفاء حقيقة الأوضاع الخطيرة التي تمر بها البلاد في ظل مؤشرات عديدة تدل بأن الأمور تتجه نحو تغيير قواعد اللعبة على المستوى الداخلي بعد اسقاط ورقة الحوار الوطني وتهديدات البعض المتزايدة في استخدام الشارع كوسيلة غير محسوبة العواقب لتحقيق اهداف سياسية باسلوب يتعارض جملة وتفصيلا مع الدستور وروحية الميثاقية الي يستخدمها أيضا هذا البعض شماعة للإبتزاز عبر تعطيل بقية المؤسسات الدستورية في البلاد في ظل استمرار الفرغ الرئاسي المستمر الذي يعيق عودة الإنتظام إلى عمل مؤسسات الدولة اللبنانية.

وبحسب الأوساط عينها، فإن التهديد بإستخدام الشارع يتعارض مع حالة “الستاتيكو” القائمة التي تحفظ استمرار وبقاء الحكومة السلامية التي هناك حرص  على عدم اسقاطها من قبل معظم الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، كون هذه الحكومة وبالرغم من كل تخبطها وخلافاتها وضعفها بإعتبار انها لا تزال المؤسسة الأخيرة في الدولة اللبنانية القادرة على تسيير شؤون البلاد والعباد بالحد الأدنى الذي يمنع الشلل المطبق من التسلل إلى جميع مؤسسات الدولة اللبنانية ومرافقها العامة، وباعتبار أيضا أن هذه الحكومة لا تزال  تشكل صمام أمان محلي أساس لحماية الأمن والاستقرار الداخلي في لبنان و ابقاء حدة  الإنقسام في البلاد ضمن سقف تكريس  احترام  حق  الاختلاف في الرأي الذي يكفله الدستور والقوانين المرعية.

وتشير الأساط السياسية عينها بأن انشغال الوسط السياسي عن تعثر الحكومة في تصديها للملفات العديدة العالقة لم يعد يحتل صدارة العناوين الداخلية خصوصا إن أجواء الخطر الذي يتهدد ما تبقى من أمن واستقرار البلاد بالفوضى والشلل يرسم أفاق لبدء مرحلة جديدة  بالغة الحساسية أمنياً، خصوصاً أن هذه المرحلة بكل فصولها باتت مرتبطة وتيرتها  بتسارع التطورات السورية وما تحمله من مفاجآت وارتدادات وانعكاسات على الوضع اللبناني ولعل ما تشهده الحدود اللبنانية السورية من أحداث أمنية بين الحين والآخر بين الجيش اللبناني والمسلحين الإرهابيين في الجرود يأتي في سياق هذه المرحلة البالغة التوتر والقلق وما يعتريها من خروج عن ضوابط العمل السياسي الذي كان يحكم مرحلة ما قبل تعطيل طاولة الحوار الوطني والتلويح باستخدام  الذي يصب وفقاً لتقارير دبلوماسية رفيعة في بيروت في إطار محاولات زعزعة الأمن في لبنان التي تخدم المتربصين بإشعال الساحة اللبنانية من خلال عودة نهج الفوضى التي تأخذ البلاد نحو آفاق المجهول القاتم.

وفيما يخص الإستحقاق الرئاسي، تتجه الأنظار نحو حركة الرئيس سعد الحريري العائد إلى البلاد بعد المحادثات والمشاورات التي أجراها في المملكة العربية السعودية، سيما أن عودة الرئيس الحريري قد كسرت حالة المراوحة الروتينية الرئاسية وأعادت الزخم مجددا إلى الإستحقاق الرئاسي بعد الزيارة التي قام بها إلى بنشعي ولقاءه الوزير سليمان فرنجية والتي سيستكملها بزيارات أخرى يقوم بها  على بقية الزعامات السياسية الأساسية المعنية بالإسحقاق الرئاسي .

وغداة زيارة الرئيس الحريري إلى بنشعي والتي أعقبها سيل من التحليلات والسيناريوهات المتضاربة بين من حسم ان الغرض منها كان ابلاغ رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية بقرار “المستقبل” دعم ترشيح العماد عون، وبين من قال انها طبيعية لتنسيق الموقف بين الرجلين، كشفت أوساط من شاركوا في الاجتماع الليلي أن الطرفين تشاورا وتناقشا مطولا في الملف الرئاسي وفي ما يمكن فعله لملء الشغور، الا ان اللقاء لم ينته بأي قرارات جديدة واتفق على ان يواصل كل فريق اتصالاته مع حلفائه بما يخدم خيار ترشيح فرنجية.

اما بعد بنشعي، فيتوقع ان تكون عين التينة وجهة الحريري الجديدة حيث يرجح أن يزورها في الساعات القليلة المقبلة على ان تشكل المحطة الثانية ضمن جولته المكوكية على الاطراف الداخليين. وخلالها، سيتشاور مع رئيس المجلس نبيه بري، المتمسك بالسلة وبترشيح فرنجية، في الخيارات المتاحة للخروج من المأزق الرئاسي.كما يتوقع ان يلتقي الحريري قريبا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، خصوصا في أعقاب عودة الوزير وائل ابو فاعور الذي أوفده زعيم “المختارة” الى السعودية لاستكشاف توجهاتها الرئاسية لبنانيا، في الساعات الماضية الى بيروت وقد زار أيضا بعد عودته السراي كما مقر الرئاسة الثانية.

في الخلاصة، لا جديد حتى الساعة في الأستحقاق الرئاسي بعد عودة الرئيس سعد الحريري من السعودية، والأمور مرهونة بمشاورات الساعات المقبلة التي ستحدد مسار التعاطي مع الإستحقاق الرئاسي الذي لم يعد بالإمكان الإستمرار بتعطيل انجازه بفعل طموحات شخصية أو رهانات اقليمية لا قدرة للبنان على تحمل وزر عواقبها الوخيمة وحدته وصيغته التعددية والميثاقية التي لا تحتمل أبدا أي مغامرات تحمل في طياتها سمات الفرض في انجاز الإستحقاق الرئاسي الذي سيبقى ضمن دائرة الفراغ ما لم يذهب الجميع نحو التسوية الشاملة او السلة الكاملة التي تحظى بقبول وتوافق كل الأطراف المعنية وطنيا ودستوريا وميثاقيا بإنتخاب رئيس الجمهورية للبلاد.

____________

(*) هشام يحيى