أشلاء في شوارع حلب… والأطباء عاجزون في مشافيها

مشاهد مروعة تضم بركاً من الدماء وجثثاً مشوهة ومشاف تغص بالجرحى، سادت الأحياء التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة في حلب، بعد أن أمطرتها الطائرات السورية والروسية بوابل من القنابل والصواريخ.

وشاهد مراسل وكالة «فرانس برس» في أحد المشافي القليلة المتبقية في الجزء الشرقي من المدينة جرحى ممددين على الأرض بسبب النقص في عدد الأسرة.

وقال الطبيب أحمد، الذي فضل عدم الكشف عن هويته واسم المشفى خوفاً من استهدافه بالقصف، ان «الجرحى يموتون أمام أعيننا فيما نحن عاجزون». وبالكاد يسمع صوت الطبيب وهو يعمل وسط رجال وأطفال يصرخون من الألم، تمدد غالبيتهم على الأرض التي صبغتها دماء الضحايا باللون الأحمر.

ويضيف الطبيب انه «ليس في وسعنا فعل شيء لهم، خصوصاً للمصابين في الرأس. نحن في أمس الحاجة للدماء والأمصال ونفتقر إلى المتبرعين».

ولم يبق في حلب الشرقية سوى ثلاثة أو أربعة مشاف لا تكفي لاستقبال مئات الجرحى غالبيتهم في حال حرجة، مع استمرار القصف بوابل من القنابل والصواريخ، خصوصاً بعد إعلان الجيش السوري بدء عملية واسعة الخميس.

وأوضح الطبيب احمد: «استقبلنا 60 جريحاً في ساعات الصباح وحدها، واضطررنا إلى القيام بعمليات بتر كثيرة لإبقاء الجرحى على قيد الحياة لأننا عاجزون عن معالجتهم».

وعلى أحد الأسرة، ينظر فتى مصاب بصمت إلى يديه المغبرتين والملوثتين بالدماء، في ما يشبه صورة الطفل عمران المذهول بعد أن اصيب بغارة على حلب، والتي تصدرت أخبار كل وسائل الاعلام العالمية في آب (اغسطس) الماضي. وبدا الألم على ملامحه عندما قام أحد الممرضين بتنظيف وجهه من آثار الدماء. وفقد هذا الطفل شقيقه الاصغر الرضيع في الغارة نفسها.

ورافق مراسل «فرانس برس» الاب والام والفتى وشقيقته إلى منزلهم الذي دمرته الغارة في حي باب النيرب. وقال الوالد نزار لدى دخوله المبنى: «كنا في المنزل عندما سقط صاروخ في شارعنا».

وأضاف وهو يحاول أن يحبس دموعه: «لقد انهار نصف البناء وأصيب رضيعنا في رأسه وفارق الحياة على الفور». وعلى الارض وضع جثمان الرضيع بعد أن لف بغطاء من الصوف.

وأضاف باقتضاب: «اني انتظر ان يحفر اقربائي له قبراً. لم أدع امه تشاهده بسبب الجرح في رأسه».

والمأساة طاولت احياء اخرى غير حي باب النيرب. ففي حي بستان القصر، كان نساء ورجال واطفال يصطفون من أجل شراء اللبن الذي يندر الحصول عليه كباقي الاطعمة في هذه الاحياء المحاصرة منذ شهرين، عندما استهدفتهم غارة أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل.

وامتلأت الأرض بالدماء واجساد من دون أطراف وأشلاء بشرية في المكان الذي كانت تنبعث منه رائحة الدم بقوة. كما كان بعض الجرحى لا يزالون ينتظرون من يضمد جراحهم أو ينقلهم إلى ما تبقى من المشافي.

ونال القصف العنيف من بنايات كاملة وسواها بالأرض، وشوهدت اعمدة كهرباء محطمة على الأرض مع سيارات مدمرة أو محروقة، بينما وقف المارة القلائل ينظرون بذهول إلى الابنية المدمرة والشرفات المنهارة والنوافذ المحطمة ويحدقون في السماء لرصد اي طائرة قد تنذر باستئناف القصف.

وفي حي الكلاسة، قال محمد فيما كان يقوم بازالة الانقاض بيديه بحثاً عن عمه: «لقد جاء الدفاع المدني لانقاذه لكن وقعت ضربة ثانية وأصيب ستة من المتطوعين. لقد رحلوا جميعاً».

(*) ا ف ب