هل يتمدد النزاع في سورية بين سوريي الداخل ولبنان والجوار؟

عادل مالك (الحياة)

في جلسة مجلس الأمن الدولي التي انعقدت على مستوى القمة (الأربعاء 21/9/2016)، نشب سجال حاد بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

وأنا أتابع الاشتباك الكلامي بين الرجلين، عادت بي الذكرى والذاكرة إلى السجال التاريخي الذي نشب في قاعة مجلس الأمن نفسها بين وزير الخارجية الأميركي الأسبق الجنرال كولن باول، ووزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفلبان حول الوثائق التي عرضها باول على أعضاء المجلس حــول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، والذي أدى إلى الغزو الأميركي للعراق ليثبت بعد ذلك عدم صحة المعلومات التي زود بها جهاز المخابرات المركزية، وبقية التفاصيل باتت معلومة.

السجال السابق تزامن مع الغزو الأميركي للعراق (مع عدد من الحلفاء)، والسجال الأخير تزامن مع ما تشهده سورية والعراق.

وحول آخر مستجدات الساحة السورية والاشتباك الروسي- الأميركي حول المسؤول عن قصف قافلة المساعدات الإنسانية التي كانت مرسلة إلى حلب، كلام كثير حول الوضع في سورية، ويجب أن تقال حول الموضوع معلومات مباشرة الصلة بين السباق الجنوني المستعر بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية.

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما: «ما يجرى في سورية حرب أهلية، وحرب بالوكالة». وصدق الرئيس أوباما هذه المرة من حيث الاعتراف بالحرب بالوكالة المندلعة في مختلف أنحاء الجغرافيا السورية.

وهذا اعتراف واضح وصريح بالتورط الأميركي في سورية، إضافة إلى التورط الروسي في المستنقع الكبير نفسه.

وفي الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، وهو الخطاب الأخير قبل رحيله عن البيت الأبيض، كان لافتاً اعتراف أوباما الصريح بأنه «لا مجال لتحقيق نصر عسكري في سورية».

وهذا الكلام يقودنا إلى الطرح التالي: عندما تنشب الصراعات والنزاعات الكبيرة والمتعثرة، يقتضي المنطق الطبيعي أن يقوم الأوصياء على العالم عبر واشنطن وموسكو ببذل كل جهد سياسي وديبلوماسي ممكن لحل النزاع، حتى لو فشلت هذه المساعي ثم اللجوء إلى الحلول العسكرية.

لكن السير عكس المنطق العام، أودى بالمعسكرين الكبيرين إلى التورط في نزاعات عسكرية لا طائل منها سوى الخراب.

والآن وبعد انقضاء ما يقرب من ست سنوات على الحرب في سورية، أصبح الكل ينادي باللجوء إلى الحل السياسي، بعد فشل الوسائل الأخرى في التوصل إلى حلول. أي أن البداية كانت بالحرب وستكون النهاية عندما تحين السياسة.

ولأنها حرب بالوكالة تمّ انخراط الجبارين في صراع بالغ التعقيد في سورية، الأمر الذي قدم ظرفاً تاريخياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين كي يقوم بخطوات «اقتحامية» عسكرية، جوية وبرية، الأمر الذي حتم على واشنطن أن تكون روسيا شريكة بالتساوي. لكن الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأميركية الحالية أحدثت واقعاً من الإرباك والتخبط، إضافة إلى أداء سيئ للرئيس أوباما، ومنحت هذه الظروف طريقاً لبوتين روسيا، بل منحته مركز جذب لكل حل يمكن التوصل إليه. وتمنى ذلك الرئيس أوباما الذي أحرق أصابعه في نيران الشرق الأوسط، والآن يريد الابتعاد عن أي تورط عسكري جديد في سورية. وهذا ما يعمل الرئيس بوتين على توظيفه بأفضل حال وبخسائر محدودة نسبياً لمصلحة التوجه الروسي.

وخلال مراحل الصراع في سورية، تم التوصل إلى العديد من الاتفاقات لوقف إطلاق النار، لكن ما من اتفاق منها أمكن الاعتماد عليه من دون حدوث اختراقات من هنا وهناك، حيث يتبادل الطرفان الاتهامات بخرق الهدنة.

وهذا النوع من الاتفاقات يذكرنا ببعض فصول الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، حيث كان يتم التوصل إلى حالات من الهدنة بين مختلف الأطراف المتقاتلة، لكن ما تلبث هذه الاتفاقات أن تنهار، وهكذا حتى النهاية الرسمية أو التقنية للحرب الأهلية مع التوصل إلى اتفاق الطائف.

وفي سياق متصل مباشرة بالوضع في سورية، يجب التنبه إلى الوقائع التالية:

لقد تعرض الكثير من المناطق السورية لعمليات من الحصار، وحتى السكان من مدنيين ومقاتلين لم يتمكنوا من الحصول على المساعدات الغذائية.

وعندما كان يتم الاتفاق على إنهاء الحصار هنا أو هناك، كان يتم إجلاء سكان هذه المناطق من مقاتلين وأناس عاديين بإشراف تام من الأمم المتحدة. ومثل هذا الإجراء يقدم القرائن الواضحة على أن عمليات «فرز السكان» في الداخل السوري ونقل بعضهم إلى مناطق أخرى بحماية ورعاية دولية، تؤشر إلى بعض الحالات التقسيمية غير المعلنة رسمياً وكأنها بموافقة ومعرفة المجتمع الدولي.

في هذا الوقت، نتابع الفرز المذهبي والطائفي والعرقي في الداخل السوري، الأمر الذي يشي بوضوح بقيام واقع تقسيمي جديد يتكرس بترسيخ الأمر الواقع، ذلك أن أي مشروع لتقسيم سورية أو غيرها لن يصدر بقرار دولي أو إقليمي.

وسنتعرض لهذا الواقع لاحقاً، في سعي لرسم الخريطة الجديدة لسورية. وهنا نطرح سؤالاً في جملة من الأسئلة.

في جانب آخر، على المتابع للشأن السوري أن يتابع التحركات الإقليمية والدولية حول مستقبل سورية، والسؤال: ما أهمية انعقاد مؤتمرات جنيف بالنسبة الى ضبط وتنظيم المرحلة الانتقالية والخلاف الناشب حول مصير بشار الأسد. فإذا استبعد أي دور للأسد في المرحلة التالية فإنه، وبفضل داعميه الإقليميين والدوليين، لن يتخلى بسهولة عن السلطة أو يقدم رأسه هدية للفصائل المتقاتلة. وهنا تكمن الخطورة والخطوة الاختراقية التي يجرى التحضير لها في المرحلة الحالية.

وتجدر ملاحظة كيف أن العالم المعارض استمرار بشار الأسد في حـــكم سوريـــة (أي ســورية ستبقى؟) انـــتقل من الإصرار على رحيـــله فوراً إلى القبول ببـــقائه إلى المرحلة الانتقالية، وحتى إلى ما بعد إجراء الانتخابات العامة المقبلة.

وهنا نتوقف في هذا المقال عند محطة بالغة الأهمية والخطورة وعنوانها: ما هي احتمالات تمدد ما يجرى في سورية إلى الداخل اللبناني؟ وفق مصادر معنية بواقع ومستقبل النازحين السوريين في لبنان، بدأت تظهر ملامح أخطار آتية.

وعلى سبيل المثل لا الحصر، يجب التوقف عند ما حصل في دوحة عرمون (ضاحية بيروت)، نظراً لما ينطوي عليه من خطورة دائمة. فقد وقعت اشتباكات ومواجهات عنيفة بين المواطنين اللبنانيين وآخرين من النازحين السوريين، وفي التفاصيل: حصل إطلاق نار كثيف بين المواطنين اللبنانيين والسوريين وتواصل على مدى ساعة ويزيد، حيث أصيب سكان منطقة دوحة عرمون بحالة من الهلع والخوف. وطرح السؤال الكبير: كيف استطاع النازحون أو بعضهم على الأقل الحصول على نوعية أسلحة متطورة تم استخدامها في هذه الاشتباكات؟

واستناداً إلى ما تقدم، نطرح السؤال حول مصير النازحين السوريين وكيف يمكن التعاطي معهم، والأهم: هل يتمدد الصراع في سورية إلى لبــنان، فتنــشب مواجهات بين سوريي سورية وسوريي لبنان؟

وعند هذا المنعطف الخطير على الضمير الوزاري أو ما تبقى منه أن يحاسب نفسه على الأخطاء القاتلة التي ارتكبت منذ بداية النزوح الجماعي من سورية إلى لبنان، وبالتالي التنبه للمضاعفات التي نشأت والتي ستنشأ حول أخطار نزوح سوري بهذا الحجم المكثف (مليون وثلاثمائة ألف نازح).

إذاً هناك الكثير من الهواجس والمخاوف التي تنتاب اللبنانيين أو بعضهم على الأقل، ويجب التنبه إلى كيفية التعاطي مع تمدد الأزمة في سورية إلى الجوار وفي الطليعة لبنان.

اقرأ أيضاً بقلم عادل مالك (الحياة)

تغييب «الخليجي» و «الجامعة» … والبديل منظومة أمنيّة

مَن يستدرج مَن: واشنطن ترامب أم طهران؟

سورية: «انتهت» الحرب … ولبنان في الضوء الأحمر

التغييرات في خرائط المنطقة وفقاً لمراجع أميركية

روسيا تكشف المستور: نعم نتشاور مع إسرائيل!

زمن أميركا أولاً… ظالمة أو مظلومة؟

لبنان – المنطقة – العالم: بين الراحل والآتي

الإمام موسى الصدر: بدعة لا غالب ولا مغلوب؟

… وهبّت رائحة النفط على لبنان: نعمة أم نقمة؟

عن «حصة الأسد» للأسد والباقي… تقسيم!

سورية بين «الذكاء» الروسي و«التذاكي» الأميركي!

… وماذا عن توطين النازحين اللبنانيين؟

الوضع في منتهى الخطورة… ما أشبه يوم العرب بأمسهم!

سورية: عشية «هدنة إنسانية» بعد التصعيد الخطير!

سورية: الحرب الصعبة والسلام المستحيل!

عكس السير والمنطق: تأجيج حروب… الحل!

عن ارتدادات ريختر الحريري: قبل أن يقرر عن اللبنانيين

عن حرب السنتين في لبنان: بين «سلام اليوم» وحروب الأمس!

المنازلة المبكرة بين «القيصر» بوتين و «السلطان» أردوغان

التدخل الروسي يمنع تقسيم سورية أم يعجل فيه؟