“يسرائيل هَيوم”: الحرب في سورية إلى أين؟

•مع انهيار وقف اطلاق النار تجدد القتال في سورية، وحتى لو تم التوصل إلى تهدئة جديدة ليس ثمة شك بأنها ستنهار من جديد مثل سابقاتها. ويبدو أن الطرفين المتقاتلين في سورية ما يزالان يتمتعان بالقوة ولديهما الإصرار والإيمان بالنصر. ولا يقل أهمية الدعم الدولي والمساعدة السخية – المالية والعسكرية – مما يتيح لهما مواصلة حرب الحياة أو الموت حتى آخر سوري.
•على الرغم من ذلك، يمكن افتراض أن الفشل الهائل في التوصل إلى انهاء المعارك في سورية وبدء بمحادثات سلام، سيجعل الإدارة الأميركية تفهم ما فهمته أغلبية دول العالم منذ وقت طويل ألا وهو أنه ليس هناك ولن يكون هناك أي حل سياسي للحرب، فالصراع المصيري الدائر في هذه الدولة سيُحسم في ساحة القتال، ولا بد أن ينتهي بانتصار طرف والقضاء على الطرف الآخر، وعلى ما يبدو على الأطراف المؤيدة له.
•خلال السنوات الست الأخيرة توقع خبراء أكثر من مرة سقوط بشار الأسد في النهاية. لكن في كل مرة بدا فيها أن نهاية الطاغية السوري تقترب، حدثت انعطافة مفاجئة منحته فرصة لالتقاط أنفاسه والصمود في منصبه.
•وفي الحقيقة، فإن النظام السوري مستنزف بعد قرابة ست سنوات من القتال، وبقي لديه عدد قليل من الجنود يستطيع أن يطلب منهم القتال في ساحات المعارك المنتشرة في شتى أنحاء سورية. في المقابل يحظى المتمردون بدعم السكان المحليين في مناطق القتال ومثل أسراب الجراد يهجمون على قوات النظام السوري ويوجهون إليها الضربات من دون أن ينجحوا في اخضاعها أو القضاء عليها قضاء مبرماً.
•لكن المتمردين مستنزفون أيضاً وكذلك السكان المؤيدين لهم، وقد فشلوا المرة تلو الأخرى في توحيد صفوفهم وإنشاء قيادة عسكرية وسياسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن مسار التطرف الراديكالي الإسلامي الذي مروا به أبعد عنهم العديد من مؤيديهم داخل سورية وخارجها. ومن المهم أن نفهم أن الحرب في سورية هي عملياً مجموعة من عشرات وربما مئات المعارك المنفردة في مواقع منفصلة في شتى أنحاء الدولة، حيث يتقاتل بضع مئات من المتمردين مع بضع مئات من جنود النظام. لذا يكفي إرسال بضع طائرات روسية وعشرات الآلاف من المقاتلين الإيرانيين من أجل هزم المتمردين ودحرهم.
•إن كل محاولة لتوقع ما سيحصل في سورية منيت بالفشل ومصيرها الفشل في المستقبل أيضاً. لكن لا يمكن تجاهل الاصرار الروسي – الإيراني الذي لا يعرف حدوداً من أجل المحافظة على بشار الأسد في منصبه. كما لا يمكن تجاهل حالة الانهاك لدى المتمردين، ولدى مؤيديهم، ولا تجاهل الخيار الاستراتيجي الذي اتخذه أوباما منذ وقت بنفض يده من سورية وعدم التحرك هناك.
•إن الدولة السورية التي يسيطر عليها الأسد لم تنهر بعد على الرغم من تقلصها بحيث لم تعد تسيطر سوى على ربع مساحة البلاد – حيث يتجمع الجزء الأكبر من السكان الذين بقوا في سورية. إن المؤيدين للأسد أو المستعدين للعيش في ظل نظامه ليسوا فقط من أبناء الطائفة العلوية، بل هناك سوريون من أبناء الطوائف الأخرى بمن فيهم السنة يريدون استقراراً وهدوءاً. في المقابل، فإن المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين تسودها الفوضى العارمة ولم ينجح هؤلاء في اقامة بديل عن سلطات النظام السوري.
•يمكننا الافتراض بحذر أن القتال في سورية سيستمر وقتاً طويلاً وسيعرف صعوداً وهبوطاً، ولكن لو استمر التوجه الذي شهدناه في السنة الأخيرة، فسيُدحر المتمردون وسيخسرون كل حظوظهم في الانتصار في القتال. كما سيجري دفع الأكراد أيضاً – تحت ضغط تركي ودولي – إلى داخل الدولة السورية، ودفع داعش إلى أعماق الصحراء السورية والعراقية. في مثل هذا الوضع سيستعيد النظام السوري شيئاً فشيئاً السيطرة على المناطق التي خسرها.

•إن هذا توقع متفائل بالنسبة للأسد – لكنه ليس اكيداً. في كل الأحوال، فالذي يجري هو عملية تتطلب سنوات حتى يستطيع كيان سياسي سوري الوقوف على قدميه. وعلى الرغم من ذلك، فإن بشار الأسد الذي اعتبره كثيرون خاسراً في السنوات الأخيرة – يبدو الآن المنتصر الأكبر والصامد الأكبر في الحرب. وقد خطا هذا الأسبوع خطوة مهمة جديدة على طريق النصر.

(*) مؤسسة الدراسات الفلسطينية