لا خيار لروسيا وإيران إلاّ الرحيل

فيصل مرعي

الناظر الى الازمة السورية، من قريب او بعيد، يرى ان هذه الازمة متشابكة متداخلة لا فكاك، ولا خروج منها بسهولة. فمنذ اعتلاء الطغمة الحالية سدة الحكم، وكأن هذا الحكم صك، لا منازع لهم فيه، علماً انه لا يليق بهكذا طغمة، ظلمت وعَسَفت، وشرّدت وهجرت.. ولبقاء هؤلاء الطفاة في الحكم، استقدموا ما لم تستقدمه دولة منذ فجر التاريخ. فقد تجمّع في ارض سوريا كل لِسْن وامة، دفاعاً عن نظام اصبح خارج التاريخ، بل من الانظمة، فور استيلائه على الحكم عنوة ومداورة، المارقة والخارجة على القوانين الشعرية والدولية، وحتى الانسانية.

لقد جاءت روسيا بقضِّها وقضيضها، دافعة بجحافلها وتقنياتها الحديثة غير دارية ما المآل، وما المصير؟ وها هي تجربتها في افعانستان خير شاهد، وخير دليل على هزيمتها وعودتها بخفى حنين، طاوية صحراء وراء صحراء. إن تكرار هذه التجربة اغرقها اكثر فأكثر في آتون بطون بلاد عصت على الدهر. فما تقوم به روسيا اليوم ضرب من الخيال، لم يسبق ان قامت به دولة. وما تفعله اليوم، اشبه بأضغات احلام صعبة المنال في بلاد ليس لها فيها صديق.

russian-army

تستطيع روسيا ان تسير في ركب النظام الى حين والى مدى لا اكثر، ولكنها لا تستطيع ان تحقق ما تبتغيه وتصبو اليه، خصوصاً وان زمن الاحتلالات قد ولّى الى غير رجعة. وفي لحظة ما ستعود القهقري ، حاملة اعتدتها ونعالها، وسيعود جنودها حفاة لا جلود على اجسادهم.

فمن الصعوبة بمكان، ان تحقق روسيا انتصاراً في سوريا طال الوقت ام قصر، بسبب انها تدعم نظاماً اضحى من حفائر التاريخ، لا وجود له في ضمير الشعب، وفي ضمير الانسانية، خاصة وانه ليس من طينة الشعب، ولا من عرقه، تسعى روسيا الى ابقائه بالقوة دون وازع او رادع،والى امد غير منظور. إنه لأمر من المستحيلات العجاف ان تنتصر روسا على ارادة شعب، متجذّر في ارضه، جعل المعتدين والطامعين حطباً للموقدة، وطعمة للنار. ناهيك عن ان روسيا ليس بمقدورها الاستناد الى نظام عفّى عليه الزمن، حيث اصبح في عداد دول امّحت عن الخريطة المتعارف عليها دولياً، حفاظاً على اطماعها، وتأمين موطئ قدم لها في هذا النصف الثاني من الكرة الارضية. لا شك بأن روسيا في اولى اولوياتها، الاطباق على التراب السوري ضرباً للاقتصاد الخليجي. بغية وقف امداد النفط عبر الاراضي السورية، وبالتالي اثبات وجودها وتحقيق احلاها التاريخية من خلال اقامة قواعد سيطرة على المياه الدافئة، منذ ما يزيد على قرنين من الزمن. هذا ما يزيدها تراجعاً اقتصادياً من جهة، وانكفاء دولياً من جهة اخرى.

iran

أما بالنسبة الى ايران، فإن السلوك الايراني يختلف اختلافً جوهرياً عن السلوك الروسي. بحسب النظرة الايرانية تبقى سوريا القاعدة الاساس لها، باعتبارها ممر الىالدول العربية، اقتصادياً، وعسكرياً، وحتى مذهبياً، وبالذات الى لبنان. فلبنان برأي قادة إيران واقع تحت نفوذها وجناحها. بهذا تعتبر إيران ان استمرارية النظام في سوريا يعني استمرارية نفوذها في لبنان على كل الاصعدة والمستويات.

الرأيين الروسي والإيراني مختلفان، بحيث ان كلاً منهما يتطلعان الى تثبيت نظام يعرف له اسم ولا يعرف له وجود، ولكن تعارض وجهة النظر واضحة تمام الوضوعح حيال سوريا، فبدا ان لكل رؤيته، ولكل مصلحته. فصلات روسيا بسوريا تاريخية من خلال علاقاتها بمؤسساتها كل مؤسساتها. هذا ما تعوّل عليه روسيا. اما إيران فإنها دخلت من بوابة العامل المذهبي. فكل يجترح الحلول على هواه، لابقاء النظام على ما هو عليه، وشرعتنه لصالحه من جديد.

إن خطأ كبراً ارتكبته روسيا بمجيئها الى سوريا بجحافلها، واعتدتها، وترساناتها، لتثبيت نظام لم يعد قابلاً للحياة. نظام انقضّ على الحكم بطريقة لا تمت بصلة الى الديمقراطية. فهل يمكن طمس ارادة شعب يحب ثقافة الحياة، وفي نفس الوقت اطالة عمر نظام لا يعرف للديمقراطية معنى؟

لا ، لن تستطيع روسيا، ولا إيران تثبيت شرعية نظام رفضه منطق التاريخ سواء من خلال القوة، او من خلال تغيير سيما شعب احب الحرية والديمقراطية. وكلتاهما ستفشلان في اذلال الشعب السوري، وضرب صورة سوريا العروبة، وسوريا الشعب والحضارة.

لا خيار لروسيا وإيران الا الرحيل، خصوصاً وان الشعوب بدأت تقرر مصيرها نفسها بنفسها. فالديار لأهلها لا غير.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…