الصبر والسياسة اللبنانية

د. ناصر زيدان (الأنباء)

كلمة “الصبر” لها في العربية معنيين مختلفين، فالمعنى الاول؛ هو التحمُّل وطولة البال، اما في المعنى الثاني لذات الكلمة فهو؛ عشبة الصبر ذات المذاق الشديد المرورة.

قال لي احدى الظرفاء المتابعين للأوضاع مُشخصاً الحالة في لبنان؛ “انها صبرٌ يحتاجُ الى صبر”. واستطردت في الحديث معه ليقول: ان الحياة السياسية اللبنانية مُرَّةٌ كعشبة الصبر، وهي تحتاج الى صبرٍ وروية اكثر مما يتصوره البعض. والصبرُ والروية كفيلان بتفكيكِ شدةِ المرارة القاتمة التي يعيشها لبنان، وليس هناك خيارٌ آخر.

لعلَّى اسباب المرارة القاسية التي يعيشها لبنان؛ تتخلص في مجموعة من الإختلالات المُتأتية عن تفاقُم الصراع الدموي في سوريا، وما أنتجهُ من مآسي على الساحة اللبنانية، وابرزها : كثافة النزوح السوري والفلسطيني اليه والذي تجاوز المليوني شخص، وإنغماس عدد من الأطراف اللبنانية في هذا الصراع- مع النظام وضده- من جهة. والإختلال السياسيي والدستوري الناتجان عن فشل الحكومة في إجراء الانتخابات النيابية، وتمديد مجلس النواب ولايته لمرتين، وإخفاق هذا المجلس في إنتخاب رئيس للجمهورية منذ سنتين واربعة أشهُر من جهةٍ ثانية.

وقد أنتجت هذه الاوضاع غير الطبيعية؛ مرارةً اقتصادية وسياسية قاسية عاشها لبنان على مدى السنوات الماضية، وما زال يعيشُ مرارتها حتى الآن، وهي مُرشحةٌ للتفاقُم اكثر مما هي عليه .

بعض هذه المرارة – او الصعوبات – كان متوقعاً، وبعضها الآخر غريب، او لنقُل جديد في سياق الاعراف السياسية اللبنانية. فالمشاحنات السياسية بين الاحزاب – او الطوائف – كانت على الدوام سِمةً لبنانية بإمتياز، ولكن لم تصِل يوماً الى حد تعطيل حياة الدولة برُمتها من أجل مصلحةٍ شخصية لأيٍ كان، او بسبب امتيازات حزبية لهذا الطرفِ او ذاك، فغالباً ما كانت الاعتراضات تنشط بمناسبة اي حدث، ولكن هذه الاعتراضات لم تصِل الى حد التعطيل، كما هو حاص اليوم.

مجلس النواب ولجانه شبه مُعطلين، والحكومة شبه مُعطلة ايضاً، ووصل الامر الى حد تعطيل الحوار الذي دعى اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقد أُعلن ذلك في الجلسة الأخيرة التي عُقِدت في قصر عين التينة الاثنين الماضي، بعد طلب رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل، مما حدىَ ببري الى القول: ان ما اراه يُهدد بتفاقُم الامور، وقد يؤدي الى نشوب حرب اهلية جديد.

هشاشة الاوضاع اللبنانية ومرارتها؛ يتطلبان صبراً عظيما، وبالاً طويلاً، وإلا فإن الإنغلاق الذي يُهدِدُ البلاد، مرشحٌ للإنفلات الى ما يمكن ان يتوقعهُ أحد. فهناك مَن ينشط في تخويف المكونات اللبنانية بعضها من البعض الآخر. وهناك مَن الجيران مَن يضمرُ الشر للبنان، حاسداً على الاستقرار الامني النسبي الذي يتمتعُ به وطنُ الارز. امَّا الغرابة الامرُّ من الصبر؛ فهي في الاستخفاف الذي يتعاطى به البعض في مواجهة العاصفة الهوجاء، فيتمسَّك بمصالحه الشخصية والفئوية الضيقة، ضارباً بعرضَ الحائط مصلحة الوطن.

فلولا الصبر وطولةُ البال، لما بقيت الاوضاع الامنية على هذه الحال من الاستقرار.

لكن الحِكمة والصبر، مطلوبتان من الجميع، وليس فقط من الرئيس تمام سلام، او الرئيس نبيه بري، او بعض الأقطاب الآخرين.

إن البديل الوحيد عن الرويةِ والتعقُّل؛ هو الشلل التام للبلاد، او الانغماسِ في صراعاتٍ نعرفُ كيف تبدأ، لكننا بالتأكيد لا نعرفُ كيف تنتهي.

وحده التمسُّك بالدولة، والحفاظ على مؤسساتها – خاصة الجيش وقوى الامن – كفيلٌ مع الصبر بإيصال السفينة الى برِ الآمان، وإخراجها من بين أنياب الرياح العاتية. فالوقت للحكمة والتعقُّل، وليس للرقصِ على حفافي الهاوية.