توقف الحوار وظهر الحوثيون في بغداد

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

كانت الآمال العربية مُعلقة على نجاح طاولة الحوار اليمنية في الكويت والتي ضمَّت ممثلين عن حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي الشرعية، ومندوبين عن حركة التمرُّد الحوثية وعن الرئيس السابق علي عبدالله صالح. اكثر من شهرين استمرَّت المفاوضات المباشرة وغير المُباشرة بواسطة المبعوث الأُممي اسماعيل ولد الشيخ احمد؛ لكن النتائج كانت مُخيبة للآمال، وفجأة اعلن مندوبي التمرُّد انسحابهم من الحوار، والعودة الى اليمن في 18 يونيو/حزيران المُنصرِم.

في29 اغسطس/آب 2016 ظهر وفد كبير من الحوثيين في بغداد، وتمَّ استقبالهم من قبل الحكومة العراقية التي إسضافتهم في المنطقة الخضراء التي تضمُّ المباني الحكومية. واجتمع الوفد الى كبار المسؤولين العراقيين، ومن بينهم وزير الخارجية ابراهيم الجعفري ورئيس الوزراء السابق نور المالكي اللذين ينتميان الى حزب الدعوة الذي يوالي السياسة الايرانية، والحزب مُتهم بالقيام بأنه يقوم بنشاط عسكري، كما ان المالكي شخصيا على صداقة مع اجهزة الامن السورية لمدة 15 عام قبل انهيار نظام صدام حسين.

الصحافة العراقية تتحدث بإسهاب عن طلب الحكومة العراقية من المملكة العربية السعودية تغيير سفيرها تامر السبهان، والسفير كان قد تعرَّض لمحاولة اغتيال، مما اثار شكوك حول العلاقة المُحتملة بين محاولة الاغتيال للسفير السعودي وزيارة وفد المُتمردين اليمنيين في هذا الوقت بالذات الى بغداد.

لقاءات وفد الحوثيين لم تقتصر على مسؤولين واشخاص عراقيين فقط؛ بل لعلَّى الاهم فيها كان لقاء الوفد مع السفير الايراني في بغداد، ومع هادي العامري قائد فيلق القدس الايراني. علماً ان هذه اللقآت جاءت في ذات الوقت مع إعلان الجنرال الايراني محمد علي فلكي لموقع ” مشرق ” الالكتروني عن تأسيس ” جيش التحرير الشيعي ” لكن تصريح فلكي ما لبِثَ ان سُحِبَ عن الموقع.

ترابط توقيت زيارة المتمردين الحوثيين الى بغداد مع عدد من الاحداث المُرافقة؛ ليست مصادفة بالتأكيد. فالمراقبون يرون ان اعلان الإنسحاب من الحوار في الكويت، بدى كأنه جاء برغبة خارجية، لكون المواضيع التي كانت تُناقش فيه؛ ليست جديدة، ومطالب الحكومة اليمنية تتطابق مع مُندرجات قرار مجلس الامن الدولي رقم 2216، والتي تنص على تسليم المدن اليمنية التي تمَّ اجتياحها من قبل الحوثيين وقوات صالح  في الربع الاخير من العام 2014، وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وهذه المطالب طرحها مندوب الأُمم المتحدة التي رعت الحوار اسماعيل ولد احمد، ووافقت عليها حكومة منصور هادي، بينما اصر الطرف الآخر على تشكيل مجلس رئاسي في اليمن، وهذا بطبيعة الحال يحتاج الى تعديل دستوري، وقد يؤدي الى تقسيم البلاد، وهو مرفوض من اليمنيين، ويتعارض مع قرار مجلس الامن رقم 2216.

يبدو واضحاً: ان الحِراك الحوثي يترافق مع تشدُّد في السياسة الايرانية في المنطقة، ومنها تعميم حالة الفوضى الموجودة في العراق وسوريا الى باقي الدول العربية، وما يحكى عن تشكيل جيش يضم افراد من اليمن وسوريا والعراق ولبنان مهمته الدفاع عن التوجهات العامة لسياسة طهران؛ أمر واقعي وملموس، وعند ذلك فإن اعتبار الحوثيين كحالة يمنية معارضة؛ ضربٌ من الجنون، فواقع الحال يُشير الى ان هؤلاء؛ جزء من منظومة اقليمية مهمتها المساهمة في مجرى الاحداث التي تحصل في اكثر من دولة عربية.

وزير الخارجية السعودي عادل الجُبير اعلن من الصين التي زارها مع وفد كبير رئسه ولي  ولي العهد الامير محمد بن سلمان للمشاركة في قمة ” العشرين “: ان بلاده لن تسمح للحوثيين بالسيطرة على اليمن، مُتهماً ايران بنشر الفوضى في المنطقة.

يبدو واضحاً ان حسابات المتمردين على الشرعية في اليمن ليست محلية فحسب؛ بل هي حسابات تتعلق بمشروع كبير ترأسه طهران، يهدف للتحكُّم بالمقدرات العربية، وتعميم الفوضى والاضطرابات في الدول المجاورة، بينما تعمل هي على صنع استقرار داخلي في ايران من خلال طمس حركة المعارضين لسياستها، وبتصدير المشكلات الى خارج اراضيها، لا سيما بعد ان تمكنت من ارساء اتفاق مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن + المانيا حول ملفها النووي العسكري، مما سيؤدي الى اعادة مبالغ مالية طائلة الى خزينتها كانت مُجمَّدة في مصارف الدول الغربية.

ان السماح لمشروع الحوثيين بالنفاذ في اليمن؛ يعني التسليم بالسيطرة الايرانية، خصوصاً ان الجيوبوليتيك اليمني يحتلُّ موقعاً هاماً في الخريطة العربية، فهو مجاور للبحر الاحمر كأهم ممر مائي في العالم، ويتواصُل مع الجزيرة العربية برُمتها.

ان التصعيد الحوثي من خلال انهاء حوار الكويت، وتشكيل ” مجلس عسكري” من عشرة افراد بالتعاون مع الرئيس السابق صالح، إضافة الى زيارة الوفد الحوثي الى بغداد، وتوجيه صواريخ الى بعض المناطق السعودية. كل ذلك؛ ينمُّ عن خطة مُدبرة للإيقاع بالنوايا التي اعلنتها حكومة هادي، ووافقت عليها دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية. إن الحل الوحيد في اليمن هو في الخضوع للشرعيتين الدولية والمحلية.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية