“القناعة كنز لا يفنى”!
رامي الريس
5 سبتمبر 2016
قبل أشهر قليلة من إنتهاء ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية مقالة مطولة لنائب الرئيس جو بايدن بعنوان: “البناء على النجاحات: فرص أمام الإدارة الأميركية الجديدة” تناول فيها المفاصل الأساسية للإدارة الأميركية في المجالات الداخلية والسياسة الخارجية وعناوين أخرى هامة.
بايدن إعتبر أن ثلاثة عناصر رئيسية تقف خلف التفوق الأميركي وهي تحديداً: “الإقتصاد الديناميكي، القدرات العسكرية المنقطعة النظير، والقيم العالمية”. وإستطرد نائب الرئيس الأميركي مستبعداً بالمطلق أن تمتلك أي دولة القدرة على قيادة العالم في القرن الحادي والعشرين.
قد يكون إحتمال توفر الإمكانية لدول أخرى في العالم للقيام بمهمة القيادة الدولية مسألة دونها صعوبات عديدة مثل التقدم الصيني الهائل، والاستعادة التدريجية للنفوذ الروسي من البوابة السورية وسواها من التحولات في مقابل وهن الاتحاد الاوروبي الذي يواجه تحديات وجودية لا سيما بعد الإنسحاب البريطاني منه.
ولكن السؤال لا يتعلق بمدى قدرة الولايات المتحدة الأميركية على إدارة شؤون العالم بقدر ما يتعلق بطبيعة هذا الدور والمعايير التي يرتكز إليها والتي لا تتعلق حتما بـ “القيم العالمية” كما وصفها بايدن إنما بشبكة من المصالح والاعتبارات السياسية والإقتصادية المتصلة بمصلحة الولايات المتحدة قبل أي شأن آخر، وهذا أمر مفهوم وقد يكون مشروعاً في السياسة الدولية. فالدول ليست جمعيات خيرية توزع حسناتها على شعوب الأرض، وهذا ما أثبتته التجارب والحروب والنزاعات العسكرية التي أدت إلى سقوط ملايين الضحايا نتيجة تضارب المصالح وتشابكها.
مهما يكن من أمر، فإن التربع الأميركي على عرش القيادة الدولية قد يستمر لسنوات وعقود، لكن أي عالم تفاخر الولايات المتحدة بقيادته؟ وما هي أبرز صفات هذا العالم الخاضع القيادة الأميركية؟
ويسترسل نائب الرئيس الاميركي في مقالته ويكتب بإعتزاز: “إن العالم اليوم أكثر أمناً منذ إستلام إدارة الرئيس باراك أوباما السلطة في العام ٢٠٠٩”. حسناً، كيف يكون أكثر أمناً في الوقت الذي وقفت فيه الادارة الاميركية تتفرج على مدى خمس سنوات على النظام السوري يقتل ويهجر شعبه ويقوده نحو الحرب الأهلية ومنعت تسليح المعارضة السورية المعتدلة ما ولد التطرف الذي لم تنحح عشرات الآلاف من الضربات الجوية بوضع حد له بل تمدد ليحتل مساحات واسعة وشاسعة من الأراضي في سوريا والعراق؟
كيف يكون العالم أكثر أمناً في الوقت الذي ضرب الإرهاب العواصم العالمية ومن غير المستبعد أن يضرب أي مكان داخل أو خارج أميركا مع سقوط الحدود الجغرافية ووصوله إلى مواقع جديدة مع كل عملية إرهابية ينفذها؟
كيف يكون العالم أكثر أمناً عندما نرى موجات المهاجرين اليائسين يموتون في البحار دون أن يسأل المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً عندما رأى ملايين المهاجرين السوريين داخل أو خارج سوريا يعيشون في أصعب الظروف وأقساها؟
مهلاً، أليس هذا المجتمع الدولي ذاته الذي ترك الشعب الفلسطيني مهجراً ومطروداً من أرضه المحتلة لأكثر من سبعة عقود دون أن يجد حلاً للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي التاريخي متغاضياً عن الجرائم الإسرائيلية وإحتلالها للأرض وتوسعها الاستيطاني وحروبها المتتالية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل؟
من الممكن الإستمرار في سرد العشرات من الأمثلة التي تثبت عقم هذة السياسة والمواقف الأميركية والدولية على حد سواء!
قد يكون هناك حاجة ملحة لدى نائب الرئيس الأميركي لإعادة النظر بما قرأ وما كتب. ولكنه ربما يعمل بقاعدة: “القناعة كنز لا يفنى”!
————————
(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة
Facebook: Rami Rayess II
Twitter: @RamiRayess