متى تتحول سجوننا من “زريبة” بشرية إلى حاضنه إنسانية؟

علاء لؤي حسن

أنباء الشباب

الحديث عن السجون في أوروبا ينحصر في ما حققته كمدارس لإصلاح المساجين وإعادة تأهليهم ليكونوا أعضاء نافعين في مجتمعاتهم. أما في لبنان فالحديث ما زال يدور تحت عنوان واحد “متى تتحول سجوننا من زريبة بشرية إلى حاضنة إنسانية”، متذكرين أن السجون في بلدنا ما زالت بؤرة للفساد والإجرام وهذا لا يتناسب وتبجحنا عن “الوجه الحضاري للبنان”، فأين مكامن المشكلة وما هي مخارجها؟

تبدأ المشكلة من وجود أزمة عدالة في لبنان، وفي بقاء القوانين مجرد حبر على الورق، فالتشريع في بلدنا لاتنقصه النوايا الطيبة والغاية السامية للمشرع الذي يحاول أن يجاري العصر ومتطلبات المجتمع  متقفيا غالب الأحيان مسار التشريع في دول العالم المتقدم، بمعنى آخر  لا يوجد لدينا أزمة تشريع بقدر ما لدينا من أزمة ضمير واستخفاف في التنفيذ، وما حال السجون إلا من إرهاصات هذا الوقع الذي ذكرناه.

سجون1

كانت السجون وما زالت مكاناً لممارسة التعذيب النفسي والجسدي بدءً من مواصفات المكان حيث يتم حشر العشرات في غرفة واحدة وليس انتهاءً بالنفسي الذي يمارس ضدهم، وأحياناً الجسدي ومثاله ما حدث مع الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية.

ولعل عدم الدراية في تصنيف المساجين قد حول السجون إلى مدرسة لإعداد المجرمين أحياناً، عندما يجري الجمع بين مجرمين محترفين وأصحاب سوابق مع موقوفين مشتبه فيهم، بل وبعضهم ليسوا من أصحاب السوابق، وعلينا أن نتخيل الضغط النفسي الذي يتعرض له هؤلاء من قبل (الشبيحة) من عتات المجرمين والتي وصلت بحسب السجلات إلى حدود الأعتداء الجنسي!

roumyieh

بالاجمال فإن السجون في لبنان لم ينظر إليها لتكون مركزاً للأصلاح والتأهيل، وإنما ظلت النظرة إليها على حالها منذ قرون، مجرد عقوبة وحسب، دون اي إهتمام لا بحال السجين خلال مدة تنفيذه لعقوبته. نظرة يغيب معها السؤال: ماذا بعد أن يمضي المسجون عقوبته، ولهذا شهدنا حالات كثيرة لا يلبث السجين أن يخرج من السجن حتى يعود إليه جراء عقوبة مماثلة وربما أشد.

من هنا، لا بد من العودة إلى القوانين التي وضعت لأصلاح السجون والمساجين. ومراعاة الجانب الإنساني والتي لحظها المشرع في المادة 108 من المرسوم الرقم 14310 (نظام السجون). حيث جاء فيها: “في 15 حزيران و15 كانون الأول من كل سنة يمكن إقتراح تخفيض عقوبة المحكوم عليهم الحائزين شهادة حسنة أو العفو عنهم. ان هذه الاقتراحات تكون فردية ويقدم بها قائد درك الكتيبة تقريرا مفصلا عن كل سجين مستحق بمفرده”.

سجون لبنان

وكذلك المادة الأولى من القانون الرقم 463 تاريخ 17/9/2002 التي جاء فيها:

يمكن تخفيض عقوبات الحسني السيرة والسلوك من المحكوم عليهم جزائياً بعقوبات مانعة للحرية بمنحهم تخفيض عقوبتهم وفق الأحكام الواردة في هذا القانون”، هذا وقد صدر المرسوم التنفيذي للقانون برقم 16910 تاريخ 17/9/2002 ونص على تشكيل لجنة تتولى بدورها تقديم اقتراح خفض العقوبات بعد درس وضع كل سجين محكوم عليه، وتراعي أسُساً ومبادئ وشروطاً يستوفيها المحكوم عليه، وذلك في الأول من حزيران والنصف الأول من كانون الأول من كل سنة كما سق وذكرنا على ان يترأس اللجنه  قاضٍ متفرغ يعينه وزير العدل بعد موافقة رئيس مجلس القضاء الأعلى، وأعضاء من أطباء اختصاصيين بالأمراض النفسية أو العقلية والمساعدين الاجتماعيين استناداً لأحكام المادة الثانية من القانون المذكور.

وبالفعل بدأت اللجنة عملها ولكن تقول أوساط قضائية حقوقية أن القانون في مضمونه مُخيّب، لا سيما أن أساس تشريعه هو تحفيز المحكوم عليه من أجل تحسين سلوكه بين السجناء كخطوة أولى، ومن اجل تسهيل إنخراطه في المجتمع عند إطلاقه في خطوة ثانية، وعدم تأثيره سلبا على محيطه.

من جهة أخرى، إن عدم تأمين الكوادر البشرية المتخصِّصة والبيئة الضرورية الحاضنة للإصلاح، يجعل القانون فارغا من مضمونه، وبالتالي لا يؤدي إلى الهدف الذي شرع من أجله.

كما أن التوقيف الاحتياطي المنصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية غير مرعي من قبل القضاء وأصبح خاضعاً للأستنساب كما سبق واشرنا إليه في مقال سابق. ولعل هذا التجاوز هو بحد ذاته مخالفة قانونية يتولاها من في عهدته إقرار العدالة! فيا لها من مهزلة.

هذا بعض الخلل الذي يحتاج إلى المزيد من إلقاء الضوء عليه في مسيرة يبدو بأنها طويلة لإصلاح الجهاز القضائي في لبنان.

(*) ماجستير في القانون الخاص (جامعة الحكمة)