العنف خير من الذلّ والانهزام / بقلم كمال جنبلاط

أستفسر أوّلاً، عن مصير زيت الزيتون في العلاقات مع سوريا، ثمّ عن السبب في منع الكتاب الذي وضعه القاضي الأميركي دوغلاس، عن أحوال الشرق الأوسط: هل تخاف الحكومة أن يُقرأ ما كُتِبَ عن هذه البلاد وما كتبه رجل أميركي له قيمته في بلاده ورشّح يوماً لرئاسة الجمهورية الأميركية؟

“إنّ جميع الناس يعرفون ما يجري عندنا فلا لزوم لمنع الكتب”. هناك قضيّة مهمّة سأشرحها بكلّ (رواق)، وهي مسألة الحزبية التي تعيش فيها البلاد منذ ثماني سنوات وخصوصاً السنوات الثلاث الأخيرة. في هذه السنوات التي طغى عليها هذا الجو الحزبي البغيض، أخذ الشعب يشعر بخطر الحزبية ويطالب بسلوك سبيل آخر، لأنّه يريد بناء دولة عادلة، دولة تفرض احترامها على الجميع.

لم يعرف عنّا أنّنا طلاّب وظائف، كما لم يعرف عنّا أنّنا من تجّار الطائفية. وعندما نخاصم فإنّنا نخاصم بشرف والشعب يشهد بذلك.

إنّنا نطالب بإصلاح كامل، وعندما نرى بوادر هذا الإصلاح نكون في طليعة المؤيّدين. ونحن في سبيل ذلك مستعدّون لكلّ تضحية فطالما تحديّنا الحكومة برفع الحصانة النيابية عنّا لندخل السجن ونُعلِّم المواطن أنَّ طريق الحريّة هي طريق السجن. نحن نطلب إلى الحكومة أن تنتقم منّا نحن، لا من الموظّفين الصغار والأهلين، الذين لا يمكنهم مجابهتها.

إنّنا نقول للحكومة: اصلحي الحال، اصلحي من يعوزهم الإصلاح، ولكن إذا قصّرت الحكومة في ذلك، فنحن على استعداد للمدافعة عن حقوقنا، ولكلّ مواطن الحقّ في الدفاع عن حقوقه ورد العدوان الذي يقع عليه العدوان. وطريق العنف أفضل من طريق الذلّ، ولا يجوز لأيّ مواطن أن يصبر على الذلّ، بل عليه أن يعمد إلى العنف إذا رأى أنّ العنف هو الطريق الوحيد للخلاص من هذه الحالة الشاذّة.

الحالة لا تطاق
إنّ الحالة أصبحت لا تطاق، فالمحافظ حزبي، والهيئات البلدية تعيّن وفقاً للرغبات الحزبية، والمختارون وفقاً لرغبات أشخاص حزبيين، والقائمقامون ينهبون البلديّات ولا يقول لهم أحد ما أحلى الكحل في عيونكم…

الدرك حزبيّون والشرطة حزبيّون والقضاء… القضاء أيّها السادة، لقد قال لي قاض أنّه مرّة اضطرّ لأن يقول للمتقاضين: الحقّ معكم ولكن لا يمكنني الحكم إلاّ هكذا، لأنّه “مضغوط عليّ”.
إنّ الحالة تنذّر “بفلتان الملق”، ولكن إذا قلت الملق فعلى من يفلت يا ترى؟

“أنتم يا حضرة الوزراء لستم مسؤولين عن هذه الحالة، فالمسؤولون عنها يعرفهم كلّ سكّان لبنان ويمكنهم أن يُشيروا إليهم بالأصابع. وقد أصبح الدستور مُسخّراً لحماية هؤلاء وكذلك القانون”.

أمّا بالنسبة لقضيّة تعديل الدستور وتجديد الولاية، لا يعارض التجديد من أجل الأشخاص، فالقضية قضيّة مبادىء إصلاحية، ولو توافرت هذه المبادىء، لكان من الذين جدّدوا، وهو الآن مستعدّ للتجديد على أساس مبادىء إصلاحية. غير أنّ ما رأيناه منذ ثلاث سنوات حتّى اليوم، يدلّ على أنّ القضيّة لم تكن قضيّة إصلاح، بل قضيّة أشخاص.
المسؤولون كما قلت، يعرفهم الجميع… ولا لزوم كما قلت لكتابة أسمائهم في السؤالات والاستجوابات، وعلى الحكومة أن تضرب بيد من حديد لوقف الفوضى، وإلاّ لم يعد أحد مسؤولاً عن أيّ عمل يقوم به… إنّ العدوان سيرد بالعدوان والشعب الذي لم يعد يسير بتوجيه إقطاعي، والذي أخذ يتحسّس بإمكانيّاته على القضاء على الفوضى والفساد، لا يمكن أن يقبل الذلّ كما قلت، بل أنّه سيعمد إلى العنف، فالعنف خير من الذلّ والانهزام.

(*) الأنباء، 28\5\1952