عن الميثاقية المظلومة… ما لها وما عليها!

ناجي مصطفى (الأنباء)

كثيراً ما تظلم فكرة الميثاقية عندما يجري تحميلها مضامين سياسية لا تمت إلى أصلها ونشأتها بصلة، والحقيقة أن لا فهم للميثاقية خارج الفهم الموضوعي للدستور اللبناني نصا وروحا، وهو الفهم الذي نشأ وإستقر منذ إعلان الدستور اللبناني الأول عام 1926 بعد ست سنوات على إنشاء دولة لبنان الكبير، والذي عدل للمرة الثانية مع إعلان دولة الإستقلال عام 1943 وعدل للمرة الأخيرة عام 1991 في ما تضمنته وثيقة الوفاق الوطني في الطائف من تعديلات ادخلت إلى  متن الدستور.

في المحطات الدستورية الثلاث ثمة أعراف راسخة رافقتها تمثلت في التفاهم على طائفة شاغل كل من الرئاسات الثلاثة، وهي أعراف شكلت أساس فكرة الميثاقية وإن لم يجر إدخالها في متن الدستور لتعارضها مع المادة السابعة منه التي تنص على تساوي اللبنانيين في الحقوق والواجبات ما يفيد بان حجز موقع رئاسي لطائفة ما هو إخلال بمبدأ المساواة هذا، لذلك جرى ابقاء مبدأ توزيع الرئاسات على الطوائف بمثابة عرف من خارج النص يسمو على الدستور من حيث قوته القانونية بحيث يبقى بمنأى عن أي طعن أمام المجلس الدستوري.

وفيما عدا ذلك، فإن الميثاقية كفكرة جرى إدخالها بصيغة نصوص في متن الدستور من خلال مبدأ توزيع المقاعد النيابية مناصفة بين المسلمين والمسيحيين ونسبيا بين الطوائف والمناطق وكذلك الامر في توزيع المقاعد الوزارية، أما على مستوى الوظيفة العامة فرغم أن الدستور قد أكد على التساوي بين المسلمين والمسيحيين في توزيع وظائف الفئة الاولى ما يعني أن تكون المواقع القيادية في الإدارة على مستوى الفئتين الثانية والثالثة غير مشمولة بهذا المبدأ، ومع ذلك فان التطبيق العملي لهذا النص فيما خص الفئتين المذكورتين ظل محافظا على روحية التوزيع ذاته في ما خص الفئة الاولى تحت عنوان إحترام مقتضيات الوفاق الوطني.

الطائف

الأساس إذن في توفر روح الميثاقية إحترام التوازن الوطني عند تشكيل السلطات بمعنى الحفاظ على التوازن في التمثيل الطائفي لكل العائلات الروحية وعدم شعور أي منها بالغبن نتيجة نقص في تمثيلها، وهو ما جرى حقيقة الحفاظ عليه في كل المجالس النيابية والحكومات التي تشكلت في مرحلة ما بعد الطائف، اما حديث بعض الأطراف السياسية اليوم عن تعطيل الميثاقية كونه لم يؤت برئيس هذا الحزب او ذاك الى رئاسة الجمهورية فهو حديث في السياسة ليس إلا، ولا يمكن الاعتداد به أو الركون اليه في نسبه زورا إلى الميثاقية، فضرب فكرة الميثاقية تكون عندما يصر المجلس النيابي على انتخاب غير ماروني لرئاسة الجمهورية او غير شيعي لرئاسة المجلس النيابي او عندما يجري تسمية غير سني لرئاسة الحكومة.

فالاصل لتوفر الميثاقية تحقق التوازن الطائفي عند تشكيل السلطة ولا ضير مثلا في شرط توفر نصاب الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية في المرة الاولى او بالغالبية المطلقة في المرة الثانية (النصف زائد واحد) اذا كان هذا النصاب المتوفر غير متوازن من الناحية الطائفية، والا تعطلت كل القرارات التي يمكن ان تتخذ على مستوى المجلس النيابي او مجلس الوزراء التي تشترط لاقرارها توفر اغلبيات محددة في الدستور او القانون.

الأزمة إذن ليست في الميثاقية بل في طريقة تكييفها من قبل البعض وإلباسها لبوساً سياسياً على مقاسه وذلك عندما يعتبر عدم الأخذ بتوجهاته الرئاسية، كونه يفترض أنه يمثل أكثرية ما ضمن طائفته، إنتقاصا من الميثاقية وطعنا بها.

مجلس النواب

إن هذا الفهم المبتسر للميثاقية ينطوي على مخاطر كبيرة في حال جرى الاخذ به كونه ينسف الاسس التي قامت عليها الحياة السياسية في لبنان ويفتح الباب أمام التأسيس لسابقة خطيرة من شانها أن تعطي للأحزاب السياسية، من خارج نص الدستور أو القوانين المرعية الاجراء، حق النقض بكل القرارات الوزارية أو التشريعات البرلمانية نتيجة تحفظ حزب من هنا أو هناك عليها، ناهيك عن أنها تعطل صلاحيات المؤسسات الرقابية كالمجلس الدستوري المنوط به النظر في دستورية القوانين وكذلك الأمر في ما خص مجلس شورى الدولة الذي ينظر في قانونية الأعمال الصادرة عن مجلس الوزراء والوزراء أنفسهم.

من حق  التيار الوطني الحر الاعتراض السياسي على أي قانون أو توجه حكومي يرى أنه لا يلبي طموحاته السياسية أو رؤيته الإقتصادية أو التربوية…، وأن ينسحب من الحكومة كتعبير ديمقراطي عن هذا الاعتراض وأن يعارض الحكومة من خارجها إذا شاء، لكن هذا الإنسحاب لا يعطيه حق الطعن بميثاقية الحكومة طالما أن تأليف الحكومة راعى التوازن الطائفي عند تشكيلها لا سيما وأن الانسحاب لم يشمل كل الوزراء المسيحيين الذين يتشكل منهم مجلس الوزراء.

في بواكير تجربة التيار العوني في السياسة خروج واضح على الميثاقية يوم شكل الجنرال عون حكومته العسكرية عام 1988 بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وعدم التمكن من انتخاب رئيس جديد، يومذاك إنسحب الوزراء المسلمون منها فور تشكيلها ومع ذلك ظل أنصار التيار يؤكدون على شرعيتها ولم يطعنوا أبدا بميثاقيتها فكيف يكون هناك صيف وشتاء على سقف واحد؟

ميشال عون وامين الجميل

إن السمة الأساسية التي تميز الحياة السياسية في الدول الديمقراطية هي إستقرار التشريع وتوحيد المعايير في الحكم على الوقائع السياسية أو القانونية أو التنظيمية والا سادت الفوضى والتخبط وتكييف الوقائع تبعا للمصلحة الخاصة لهذا الطرف أو ذاك بدلا من المصلحة العامة التي تبقى الهدف الاسمى الذي من المفترض أن ينشده كل عمل سياسي أو قانوني.

إن عدم قدرة التيار الوطني الحر على تسويق زعيمه لانتخابه رئيسا للجمهورية لا يعطيه الحق في تعطيل الحياة العامة تحت عنوان انعدام الميثاقية مع ردحيات منفرة من اللعنات اطلقها رئيس التيار تجاه كل من يغطي اعمال الحكومة التي يدعي عدم ميثاقيتها.

وإذا كانت الميثاقية تفسر وفقا لمنظور التيار فان هذا التفسير ذاته يسقط عن الرؤساء السابقين شارل حلو وسليمان فرنجية والياس سركيس مثلا صفة الميثاقية أو المشروعية كونهم لم يكونوا منتمين إلى حزب الكتائب اللبنانية، وهو الحزب السياسي المسيحي الأكبر في تلك المرحلة، وهنا ينتصب السؤال المشروع في ذات السياق: هل أن حزب الكتائب قد فرط بالميثاقية يوم قبل بانتخاب هؤلاء الرؤساء رغم تاريخ هذا الحزب المعروف بميثاقيته وبانه ابو الاستقلال والسيادة بامتياز؟

إن المطلوب في هذه المرحلة من كل القوى السياسية، من التيار وغيره، ان تعي خطورة المرحلة جيدا وعدم السير خلف شعارات واجراءات شعبوية لا تحتملها هذه اللحظة السياسية داخليا وخارجيا، والانكباب بحكمة على التفتيش عما يجمع لا ما يقسم وعلى ما يوحد لا ما يفرق كي يعبر لبنان باقل الخسائر الممكنة من ملعب النار الملتهب والخطير إلى واحة السلام والامان.

اقرأ أيضاً بقلم ناجي مصطفى (الأنباء)

اعتماد النسبية… مدخل الى الاخلال بالتوازنات الداخلية في لحظة احتدام طائفي على مستوى الاقليم

بين موسكو وطهران: اختلاف استراتيجيات في سوريا… أم أكثر؟!

غياب المشروع العربي فتح قابليات القوى الاقليمية للتوسع والسيطرة

لماذا شيطنة قانون الستين وتقديس النسبية؟

سقوط تدمر بيد “داعش” يكشف زيف ادعاء نظام الاسد بقتال الارهاب!

حرب الفيتوات المتقابلة تهدر فرص تأليف الحكومة وتعوق انطلاقة العهد!

وليد جنبلاط المسكون بهاجس التاريخ… قلق من لعبة الأمم!

بعد الانتخاب والتكليف ومساعي التأليف: حكومة الفرصة الأخيرة ما قبل الانهيار والفشل!

سيناريو إفتراضي لما بعد إنتخاب عون!

بعد تجاوز قطوع ترشيح عون… ماذا عن التكليف والتأليف؟!

الاستحقاق الرئاسي: بين سلة بري واستعجال عون!

الاستحقاق الرئاسي: بين ارتباك المستقبل ومناورات حزب الله!

عام على التدخل الروسي في سوريا: اي حصيلة واي نتائج؟

سوريا: قوى تتقدم وأخرى تنكفىء وأشلاء وطن تنزف دما وهجرة!

وليد جنبلاط داعية الوحدة في زمن الانقسام الطائفي والمذهبي

بعد ثورات الربيع… أليس لهذا الليل العربي من أخر؟!

مستقبل سوريا: اخر محاولات للتسوية والا التقسيم

في ذكرى مصالحة الجبل: تأكيد الاصرار على العيش الواحد

لبنان في ثلاجة الانتظار… الى متى؟

زيارة وليد جنبلاط الى الصرح البطريركي… اي ابعاد؟