الشعب الغائب الحاضر

وسام القاضي

يتباهى الكثيرون في لبنان لمجرد سماعهم بظهور إنجازات للبنانيين في بلاد الإغتراب، من خلال تبوء أحد اللبنانيين لمناصب سياسية في بلد ما، أو لمراكز إدارية في شركة ما، أوتسجيل إختراع علمي أو طبي حيث يعملون. ومع التقدير الكامل لإنجازات هؤلاء الأشخاص في أماكن تواجدهم في الخارج، إلا أنه يحق لنا أن نسأل إذا كان التباهي ينطلق لدور أقلية لبنانية في الخارج، فهل نتباهى أيضا بدور الأكثرية اللبنانية في لبنان، هذا إذا كان بالفعل اللبنانيون ما زالوا أكثرية في وطنهم.

أينما ذهبت وأينما جلست في لبنان تسمع الحديث نفسه، إنتقاد مستمر للطبقة السياسية، إتهامات بالجملة حول الفساد والهدر والسرقة مع تقديم أمثلة عديدة ومتنوعة ودلائل من هذا المصدر أو ذاك، إستياء عارم عن الوضع الراهن، إشمئزاز وقرف من المستوى الذي وصلت إليه القوى السياسية والتي تعجز عن الخروج من المأزق، قلق على المستقبل والمصير، خوف من أي إنتكاسة مرضية تجبر الإنسان على الدخول إلى المستشفيات.

البلد معطل بكافة مؤسساته، رئاسة الجمهورية يحكمها الفراغ، مجلس النواب مغيب كليا، مجلس الوزراء على حافة الهاوية، المؤسسات الإدارية يتملكها الترهل والعجز الدائم، أما المؤسسات الأمنية فتتخبط بالامكانات المتواضعة المؤمنة لها، وحده مصرف لبنان ما زال يمسك بمقود البلاد الإقتصادي بالتعاون مع جمعية المصارف التي ما زالت تعتبر لبنان مركز إستثمار وهذا هو هدف عملها، وعليه يعيش اللبنانيون يومهم بيوم، وإعتادوا على هذا الأسلوب في الحياة في وطن بلا دولة.

????????????????????????????????????

وفي هذا الإطار لا بد من التساؤل لماذا يسكت شعب بأكمله عن هذه الظاهرة الغريبة العجيبة ولا يتحرك، والبعض يفتخر أنه لو كان هنالك شعب غير اللبناني لما استطاع أن يتحمل وأن يصمد، ويا لسخافة هذا التشبيه، أين هو هذا الشعب الذي يتحمل والذي يصمد، إنه منقسم على نفسه افقيا وعاموديا، إنه منقسم أفقيا بين فئة تحترم نفسها ولا تلمس مستنقع الأوساخ اللبنانية بكل مفاعيلها، وتنأى بنفسها بعملها في الخارج أو الداخل وتلتزم حدودها بين عملها ومنزلها، والفئة الأخرى منقسمة عاموديا على بعضها البعض، كل فريق يتبع قيادات طائفته أو مذهبه، يتحرك وفق توجيهات الفريق الذي ينتمي إليه ولا يتفاعل مع أي قضية أومطلب محق مهما كان إذا لم تكن قياداته قد أعطت قرارها للتحرك.

normal_lebanon205

أما الإنصهار الوطني فإكذوبة تم إختراعها لتغطية فشل القوى السياسية في تحقيق الحد الأدنى من الإنطلاق في بناء لبنان الدولة والنظام. ويبدو أن هذه الفئات قد أعمت بصيرتها إنتمائها المذهبي والطائفي ولم تعد تنتمي إلى لبنان الدولة بل إلى الدول الخارجية لتحمي ظهرها.

إلى أولئك الذي يفتخرون بصمود وقدرة التحمل للشعب اللبناني نقول، لو كان هنالك شعب غير الشعب اللبناني لما سكت عن فضيحة أزمة الكهرباء المستمرة منذ أكثر من أربعين سنة وحيث لم يتجرأ أي مسؤول بكشف الحقائق المستورة لهذه الأزمة، ولما سكت ذلك الشعب على وجود أزمة مياه في بلد يعوم على بحيرات ميا جوفيه، ولما سكت عن فضائح مالية من كل حدب وصوب في التلزيمات والصفقات على كافة المستويات، لما سكت عن بعض الممارسات التشبيحية لبعض القوى الأمنية، ولما سكت عن الرشاوى في الدوائر الرسمية، ولما سكت عن فساد طبقة سياسية تتحكم بالبلاد والعباد.

الشعب اللبناني الحاضر هو كأبو الهول صامت قابع في منزله وعمله أو في غربته، والشعب اللبناني الغائب هو من إرتهن لقيادات هي أشبه بدمى لمصالح خارجية على حساب الوطن، والحصيلة أننا نعيش مع شعب حاضر غائب في دولة حاضرة غائبة وعلى الوطن الذاهب إلى زوال السلام.

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار