المرور الأخير للحكومة قبل الاستحقاق الانتخابي؟

روزانا بومنصف (النهار)

ترتسم في أفق المأزق الحكومي المتجدد بفعل الاتجاهات التصعيدية لـ”التيار الوطني الحر” من خلال مقاطعته الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء وما سيتجه اليه من خطوات محتملة قبل موعد الجلسة الحكومية التالية في الثامن من أيلول ملامح تقرير مصير الستاتيكو الداخلي برمته على مشارف مرحلة مفصلية سيكون شهر أيلول باستحقاقاته الداخلية والخارجية اختبارا حساسا له. اذ ان تصاعد التجاذبات السياسية في الاسبوعين الاخيرين ولو أتى على خلفية الاعتراض العوني المتجدد على التمديد للقيادات العسكرية، لم يكن سوى التعبير الصارخ عن تداعيات باتت كلفتها المتراكمة تثقل بقوة على مجمل الواقع اللبناني بفعل ترنح الحكومة تحت أثقال اضطرارها للبقاء بالقوة القسرية وبحكم كونها السلطة الوحيدة العاملة ولو بالحدود الدنيا فيما هي محاصرة بكل انواع التداعيات للصراعات الداخلية والاهمال الخارجي للازمة اللبنانية. وليس غريبا والحال هذه ان تبدي اوساط وزارية وسياسية معنية بالمأزق الحكومي الناشئ خشية كبيرة من مرحلة ما بعد أيلول ليس بما يختزنه من محطات واستحقاقات يفترض ان تشهد تبديلا جذريا في سلوكيات الطبقة السياسية برمتها لوضع خريطة طريق او استراتيجية الخروج المتدرجة من الازمة السياسية والرئاسية المتعاظمة فحسب بل من امكان ان تصبح قابلية قوى سياسية عدة بل ومصالحها متجهة نحو الخروج من الحكومة بكل ما يعنيه ذلك من استحداث واقع اضافي يصعب التكهن بآثاره السلبية من الآن. وتلفت هذه الاوساط الى ان ما جرى في الاشهر الاخيرة بدءا بقرار حزب الكتائب الاستقالة من الحكومة ومرورا بعودة “التيار الوطني الحر” الى سياسات المقاطعة والتهديد بالشارع وبلوغا الى بروز اتجاهات وارتفاع أصوات لوزراء تلمح الى الاستقالة وتحويل الحكومة حكومة تصريف اعمال عَل ذلك يساعد في قيام صدمة دفع لانتخاب رئيس الجمهورية. فالى احتمال الاستقالة ” الجاهزة” دوما لدى رئيس الحكومة، دخل هذا الاحتمال الى ادبيات خطاب “تيار المستقبل” أيضا ما يؤشر الى مدى الثقل الذي بات يرتبه الواقع الحكومي اضافة الى الحاجة الى خلط اوراق لدى القوى التي باتت منهكة في ادبياتها وواقعها ليس حسب اعتبارات عامة ولكن لاعتبارات داخلية خاصة ايضا في ظل استنزاف للمنطق السياسي المعتمد في ظل مراوحة قاتلة وعدم القدرة على الخروج الى خطاب متجدد. كل هذا الخط البياني لا يبقي مجالا للخشية من عدم التمكن طويلا من حماية الستاتيكو الحكومي الحالي الى امد بعيد على رغم ان سيناريو الكلام على استحقاق الذهاب الى انتخابات برلمانية في الربيع المقبل من دون انتخاب رئيس للجمهورية يبقي الحكومة الحالية قائمة كما واقعها الحالي.

صحيح ان الجولة الاولى من التصعيد العوني عبر مقاطعة الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء شكلت امتحانا متجددا لمصلحة الحكومة واستمرارها واعتبارها خطا احمر ممنوع اختراقه وتجاوزه حتى انتخاب رئيس للجمهورية. لكن ذلك لا يكفي في رأي هذه الاوساط للنوم طويلا على مظلة الحماية الداخلية والخارجية للحكومة والتمسك بها كآخر السلطات الدستورية والشرعية العاملة والفاعلة اذا لم تبرز في الاسابيع المقبلة ملامح مبادرات او تسويات ملبننة من شأنها رسم خط بياني مبرمج اما لانتخاب رئيس الجمهورية واما للتوافق على المرحلة الانتقالية الفاصلة عن الانتخابات النيابية في الربيع المقبل.
وهذا الواقع اللبناني الداخلي الصرف يكفي بذاته لوضع الطبقة السياسية امام اخطر استحقاقاتها فكيف حين يتسع البيكار الى المسرح الاقليمي والدولي وخصوصا نحو المسرح السوري الذي يعني لبنان مباشرة ومعاينة حجم التطورات الضخمة التي تجري فوقه منذرة بصفقات وتسويات ضخمة لا يعرف اي تداعيات سترتبها على لبنان ؟ بل ثمة تفصيلات أخرى، كما تضيف الاوساط نفسها، اقل حجما من التطورات السورية تشكل نموذجا لخطورة أي اهتزاز لبناني داخلي حاليا وقت ينصرف العالم الى اولويات لا مكان بينها للازمة اللبنانية، ومن ابرزها مثلا مشاركة لبنان في مؤتمرين دوليين حول مسائل اللاجئين سيعقدان في نيويورك بدعوة من الرئيس الاميركي باراك اوباما عشية افتتاح اعمال الدورة العادية للأمم المتحدة في الثلث الاخير من أيلول المقبل. وسيشارك رئيس الحكومة تمام سلام في المؤتمرين كما في افتتاح اعمال الدورة العمومية للمنظمة الدولية للسنة الثالثة تواليا في غياب رئيس الجمهورية عن ارفع منبر دولي. فماذا لو تسببت ازمة حكومية طارئة تطيح بالحكومة بغياب لبنان بالكامل عن هذا المحفل الاممي ؟ تثير الاوساط هذا السؤال الافتراضي من باب تأكيد المؤكد وهو منع اسقاط او سقوط الحكومة حتى الآن بقوة الفراغ الرئاسي، ومع ذلك فإنها لم تعد تستبعد سقوط الحكومة بالضربات القاضية بعد أيلول المقبل لاعتبارات كثيرة تضاف الى تراكمات ادارة الازمة وليس اقلها ان حسابات القوى الداخلية مع بدء العد العكسي للانتخابات النيابية ستفتح الباب واسعا على كل ما قد يتسبب بالتضحية بالمواقع الوزارية كأقل الاثمان امام مجهول يتهدد كثيرين ولن يبقى معه حساب او فرز بين متمسكين بالحكومة او راغبين في التفلت من التزاماتها.