ويبقى لنا أمل …

ريما صليبا (الأنباء)

“…. وإن بليتم بالمعاصي فاستتروا …”

شعب أدخله اليأس في غيبوبة تامة، لفظت فيه النخوة والشهامة أنفاسها الأخيرة … فلم يعد الأب أباً ولا الأم أماً ولا الجار جاراً ولا الصديق صديقاً….

يُضرب الإنسان حتى الموت أمام عينيه دون أي ردَّة فعل، كما لو أن حشرةً سحقت وانتهى الأمر، جبنه وخوفه بلغا حداً من القرف فما عاد الرجال رجالاً ولا المواقف مواقفاً.

إلى أب يقول لابنته “عودي إلى دار زوجك كأن شيئاَ لم يكن، فكل الرجال يعنِّفون، ليس لك ملاذً سواه …” أليست تلك المخلوقة التي ضُربت على مرأى منك من لحمك ودمك؟ ألم تنجبها إلى هذه الدنيا حتى تحميها من لفحة شمس؟ فكيف إذا تعلق الأمر بحمايتها من براثن وحش هارب من البرية؟

إلى أم تطلب من ابنتها ستر الفضيحة والعار بعدم ترك المنزل الزوجي، وذلك رغم علمها بالتعنيف وآثاره الواضحة للعيان، “ماذا ستقول الناس عنك؟ مطلقة؟ زانية؟ … عودي أدراجك وعضي على جراحك وحاولي حلّ مشاكلك معه بالصبر والكتمان والسترة …” ألم تسهري ليال طوال تحتضنيها دون أن يغمض لك جفن يوم كانت طفلة تعاني أقل الآلام؟ كيف استطعت السكوت عن عذابات فلذة كبدك لأجل ستر فضيحة فقط؟

إلى جيران ينامون يومياً على صوت امرأة تستغيث وتطلب النجدة، وانتم آذانكم صماء عن صوت الضمير الإنساني، أليس لكم بنات وأخوات وأمهات؟

إلى قاضية لا أدري إن كانت أماً لكنها بالتأكيد إبنة … كيف لك تبرير جريمة نزفت لحقيقتها القلوب؟

كيف منحت القاتل أسباباً تخفيفية في الحكم الذي أصدرته بحق قاتل منال عاصي، فاتحةً الباب على مصراعيه لإعادة إحياء ما يسمى بـ “جريمة الشرف” بعد أن دفنها المشرِّع منذ اربع سنوات؟

إلى امرأة اكتفت بالسكوت على فاجعة وقعت، فقط لأنها تعتبر نفسها مكرَّمةً من قبل زوجها ويعاملها بالحسنى، شاكرة ربها لأنها لا تعنَّف، في وقت كان الأحرى بها أن تنتفض بوجه ظلم يمارس آلاف المرات على أنثى مثلها كل ذنبها أنها لم تجد يداً تمتد لمساعدتها أو صوت يوصل وجعها ومعاناتها… لك أيتها الأنثى أقول “ألا تشعرين بالمهانة أم انك صنم أخرس أطرش أعمى؟

إلى جمعيات نسائية فاق عددها شعر الرأس، شعارها  المرأة والدفاع عن حقوق المرأة… أين أنت من جريمة منال عاصي؟

منال عاصي

تكتفين بإرتياد أفخر الفنادق والمطاعم منفقة أموالاً ذات أرقام خيالية على عشاء سنوي أو صبحية هشّة لجمع التبرعات بإسم المرأة…

حريٌ أن تقفلي دكاكينك وتسألي ما تبقى لديك من ضمير إنساني كيف تكفّرين عن ذنب ارتكبته باسم المرأة تجاه المرأة نفسها؟

إلى سعادة المشرِّع نقول، لماذا وقفت وقفة المتفرج؟ وإلى متى؟ ما هو موقفك تجاه بعض القضاء؟ القضاء المنوط به تطبق القوانين وليس سنّها. ما هو موقفك من إعادة إحياء “جريمة الشرف” بعد أن قررت، بإسم الشعب اللبناني، الغائها منذ اربع سنوات؟

إلى مجتمع جلس صامتاً يشاهد الشاشات الصغيرة تروي بالتفاصيل الدقيقة هذه الجريمة المروعة مكتفياً بالشفقة على وضع الضحية، غافلاً أبعاد ما شاهد ونتائجه التي سترتد على بناته ونسائه وقريباته، فاليوم منال عاصي والبارحة كثيرات مثل منال عاصي، أما الغد القريب فهنيئاً لنا بكوكبة متلاحقة من منال عاصي… ستكون ضحية مجتمع تخاذل وأبى أن يقف وقفة حامٍ لها محوّلاً جريمتها لثورة تضمن أمان كل أم وزوجة وإبنة في غابة تسكنها الوحوش الضارية…تلك القنابل الموقوتة التي لا ندري متى تنفجر بمن حولها مخلّفةً وراءها منال عاصي جديدة… أما آن الأوان يا سادة لنزع فتيلها وتدارك كوارثها؟؟؟

أما أنت يا ديك الساحات، المتباهي بقبضتك الفولاذية التي تكسّر بها عظام مخلوق وثق وإحتمى بك من عنف مجتمع يؤذيه فكنت أنت الأذى الأكبر والأفظع… إستعملت كل ما أوتيت من بطش وقوة مخرّبة مهدّمة لتفتك بامرأة تحت أي عذر ارتكَبَته ومهما كان نوعه.

العنف

مَن أعطاك الحق أيها الكائن بسفك دمائها بهذه الوحشية وحرمان أطفالها منها؟ من أعطاك الحق بتحديد مصير حياتها والحكم على أولادها بمتابعة حياتهم أيتاماً؟ مع ذكريات أليمة لن ينسوها ما حيوا؟

نهاية أمثالك يجب أن تكون السجن المؤبّد، محكومون بالعيش في قفص بقية حياتهم العفنة النتنة علّهم يعون يوماً مدى فظاعة ما إرتكبت أيديهم.

كلّنا مسؤولون عمّا حصل… جميعنا دون إستثناء… رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، سلطةً وقضاءً، مجتمَعاً وجمعيات… لنا جميعاً أمهات أو أخوات أو بنات، قد يأتي الدور عليهنّ يوماً من الأيّام على يد مختلّ أشبه بحيوان كاسر.

يبقى لنا الأمل بمحكمة التمييز التي نعوِّل عليها إصدار حكماً عادلاً رادعاً تحترم به إرادة المشرع اللبناني الذي الغى بتاريخ 17/8/2011 ما كان يسمى حينها بـ”جريمة الشرف” بعد أن قام مدعي عام التمييز مشكوراً بالطلب الى المحكمة المذكورة نقض الحكم الصادر عن محكمة الجنايات حيث رأى أن هذا الحكم مشوب بعيب صارخ مخالفاً لإرادة المشرع في القضاء على تخلف ووحشية أمثال قاتل منال عاصي.

المحكمة العسكرية

أنا يا سادة أنثى قبل أن أكون إبنةً وأمّاً… امرأةً ثارت على مجتمع ذكوري، من أبرز قيمه رجولة متسلّطة؛ ومنال عاصي قبل أن تكون أنثى وزوجة وأمّاً هي إنسان، إنسان اُنتهِكت حقوقه كافّة على مرأى من الجميع دون أن يرفّ جفن لأحد. عارٌ وألف عار السكوت بعد اليوم.

سامحينا منال عاصي… سامحينا لأننا لم ننصفك، بل خذلناك وقتلناك مرّتين، فجريمتنا لا تقلّ شناعة عما فعله بك شبه البشري الّذي يسمّى زوجك.

أنا ابنة الحزب التقدمي الاشتراكي الّذي أسّسه كمال جنبلاط على القيم التقدميّة والاشتراكية بجوهر واحد أوحد هو الإنسان… نعم الإنسان، كمال جنبلاط الذي قال “على قدر ما تستطيع الشعوب أن ترتفع إلى مثالات من البطولة والتضحية والأخلاق من تجاوز المحدوديّات الشّخصيّة تستطيع أن تتقدّم وتنتصر في جميع المجالات؛ وما من شعبٍ إنحطّ إلّا عندما درج على مسلك الأنانيّة الشخصيّة…”

“من روح كمال جنبلاط إلى نفسك الطّاهرة ألف تحيّة…”

اقرأ أيضاً بقلم ريما صليبا (الأنباء)

للتذكير فقط…