حسكة الفيديرالية!

راجح الخوري (النهار)

الإتفاق على وقف النار في الحسكة تم برعاية روسية وعلى “أرض” روسية قاعدة حميميم. إستُدعي النظام الى هناك فريقاً في مواجهة ممثلي “وحدات حماية الشعب” الكردية، أهم من ذلك ان الروس لم يعلنوا الإتفاق، لكنهم تعمّدوا ان يأتي الإعلان من المكتب الإعلامي للإدارة الذاتية الكردية، ثم من التلفزيون الرسمي السوري.

الإتفاق في الحسكة وضع “حسكة الفيديرالية” في بلعوم النظام السوري الذي مُني بهزيمة واضحة، ورضخ لشروط “حزب الإتحاد الديموقراطي” العشرة، وأهمها الإنسحاب من المدينة وتسليم مناطقه الى إدارة “الأسايش” وهي قوات الأمن الداخلي الكردية في المدينة، وقف التحريض على هذه القوات وعلى “وحدات حماية الشعب” الكردية ووقف التجنيد الإجباري والإستفزازات المتكررة !
الإتفاق الذي رعاه الروس في حميميم يشكل انتصاراً للأكراد، لكنه لم يكن بعيداً إطلاقاً من الأميركيين الذين هددوا الأسد صراحة يوم الثلثاء، بأن يبقى بعيداً من مناطق حلفائهم الأكراد، وأرسلوا مقاتلاتهم لمنع طيرانه من قصف مواقع الأكراد كما حصل يومي الخميس والجمعة من الأسبوع الماضي.
لكن هذا الإتفاق يشكل أيضاً خطوة متقدمة وواضحة في سياق ما يريده الروس وما أعلنوا عنه صراحة منذ بداية آذار الماضي، عندما شجّعت الخارجية الروسية على الفيديرالية كحل ممكن في جنيف، وهو ما أوحى به ايضاً فلاديمير بوتين بوضوح في ١٥ آذار بالتلويح بسحب قواته للضغط على الأسد!
خلافاً لكل ملامح التناقض بين موسكو وواشنطن حيال تطورات الوضع في سوريا، وعلى رغم إنهماك إدارة أوباما في الإنتخابات، ليس من المغالاة القول إن تجربة الحسكة التي تلتقي وراءها حسابات أميركية وروسية على ما يبدو، ستكون محور المحادثات المقبلة بين سيرغي لافروف وجون كيري، الذي يقول إن المعضلة السورية إستمرت فترة طويلة ويتعيّن على داعمي النظام روسيا وايران وداعمي المعارضة أميركا وشركائها الإتفاق الى حل النزاع!
ولكن على أي أساس؟
الحديث عن قيام دولة كردية في شمال سوريا عبر تقدم الأكراد مثلاً من منبج والحسكة غرب نهر الفرات الى عفرين ومرتفعات ليلون، سيشكّل خطوة كبيرة تؤدي مستقبلاً الى تمزيق خرائط المنطقة، لهذا تبدو الفيديرالية كأنها المخرج الأكثر واقعية وقبولاً عند الروس الذين كانوا أول من دعا اليها صراحة، وعند الأميركيين الذين يدعمون الأكراد بقوة منذ معارك كوباني، وعند الإيرانيين الذين يدعمون الأسد الى النهاية سواء في سوريا كاملة وهذا بات مستحيلاً تقريباً أم في سوريا مُفدرلة!
ولكن ماذا سيفعل أردوغان الذي دخلت حسكة الحسكة بلعومه مثل الأسد وأكثر، إنه يقصف منبج ويقرع طبول تحرير جرابلس من الاكراد ومن “داعش” التي تعامى عنها زمناً، وسيبكي ديكتاتورية الأسد كما يبكي العراقيون اليوم ديكتاتورية صدام حسين!