لماذا يصر البعض على عودة النفايات إلى شوارع اللبنانيين؟

كأنه كتب على اللبنانيين الإنتقال دائما من أزمة إلى أخرى ومن كابوس إلى آخر، ففي ظل استمرار الفراغ الرئاسي الذي يعطل عودة الإنتظام إلى عمل المؤسسات الدستورية، وفي ظل أيضا غياب عمل المجلس النيابي المقفلة ابوابه أمام التشريع، والإنتاجية المحدودة لمؤسسة مجلس الوزراء، يبدو أن نهج التعطيل المدمر قد عاد ليطل برأسه من بوابة أزمة النفايات لتعطيل الخطة المرحلية لملف النفايات التي أقرتها الحكومة مجتمعة بعد أن كان قد وافق عليها جميع الأفرقاء على طاولة الحوار الوطني، ليدفع اللبنانيون مجددا المزيد من الأثمان في شؤونهم وشجونهم اليومية الصحية والبيئية والاجتماعية جراء تلك الأسباب هي عينها التي سبق عن عطلت الحلول السابقة للنفايات التي وضعتها الحكومة، وذلك لغايات منفعية وشعبوية ضيقة لطالما كانت ولا تزال علة خراب لبنان وازماته المستعصية التي تضع مصلحة المواطن اللبناني في مهب المجهول القاتم.

وبحسب الخبراء المعنيين في ملف النفايات، لا يوجد في لبنان مشكلة مستعصية للنفايات كما يحاول بعض الطارئين المشبوهين تصويرها للرأي العام اللبناني في هذا الملف الموجودة حلوله العلمية في كل العالم، وهذه الحلول المناسبة للبنان والتي تتخذ المعايير القائمة في أرقى الدول الاوروبية هي بطبيعة الحال موجودة بشقيّها المرحلي والمستدام في الخطة التي تتولى تنفيذها اللجنة الفنية التي يرأسها الوزير أكرم شهيب، بل إن المشكلة الحقيقية في هذا الملف هي سياسية بامتياز من ناحية، وهي أيضا من ناحية أخرى مرتبطة بإختراع البعض لحلول “همايونية” مغلفة بمزايدات غير علمية وغير منطقية وغير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع إلا في مخيلة البعض المريضة التي تستثمر في ملف النفايات  من أجل غايات أقل ما يقال فيها إنها لا تمت بصلة إلى مصالح الناس وقضية حل أزمة النفايات.

وبعيدا عن عفوية بعض الشباب في منطقة برج حمود الذين يرفضون من حيث المبدأ استمرار الأعمال التي غايتها تخليص جميع أبناء المتن الساحلي من جبل النفايات القائم في تلك المنطقة منذ سنوات بطريقة علمية سليمة بشكل نهائي، وبغض النظر إذا ما أصابوا او اخطأوا في خياراتهم المضرة لمصلحة صحتهم وبيئتهم، إلا أن المسألة هي أبعد بكثير من مسألة تعنت أو اختلاف بوجهات النظر، والدليل على ذلك أن الفريق الذي أتى بعراضة استفزازية من خارج منطقة برج حمود تحت عنوان المناصرة هو فريق لا يهمه لا صحة ولا بيئة أبناء منطقة برج حمود ولا أقضية المتن وكسروان وبعبدا لا من قريب ولا من بعيد، بدليل أنه طيلة السنوات  الماضية لم نشاهد من هذا الفريق أي فعل أو اجراء على ارض الواقع يدل على اعتراضهم أو رفضهم لمكب جبل النفايات القائم في برج حمود، بل هؤلاء قد استفاقوا مجدداً على قضية مطمر برج حمود الصحي من أجل غاية وحيدة وهي تعطيل الخطة الحالية للنفايات التي هي باعتراف المسؤولين عنها ليست الأفضل إلا أنها الحل الممكن والمناسب للواقع اللبناني، وبالتالي حراك هؤلاء يأتي في سياق خدمة أجندات سوداء مشبوهة لا علاقة لها بالبيئة ولا بحل أزمة النفايات بل فقط من اجل غاية نكئ الجراح و توتير الأجواء لتعطيل كل شيء في لبنان وتسعير حالة الغضب والإحتقان التي تاخذ البلاد أكثر نحو الفوضى العارمة الذي يريدها ذلك الفريق ومن ورائه لإعادة عقارب الخراب إلى لبنان.

في الخلاصة، أن القاسم المشترك بين بعض الوجوه القديمة الجديدة التي ظهرت في محيط جبل النفايات في برج حمود للإعتراض على الأعمال الجارية وفق خطة الوزير اكرم شهيب والتي جرى اعدادها من قبل نخبة من الخبراء والناشطين البيئيين المشهود لها بكفاءاتهم ونزاهتهم وخبراتهم العلمية، وبين الوجوه التي سبق لها  أن عطلت الخطط السابقة للنفايات، هو أن هؤلاء جميعا يريدون بإصرار وعن سابق تصور وتصميم عودة مشهد تكدس أكوام النفايات في الشوارع مع ما لذلك من أخطار صحية وبيئية جسيمة على اللبنانيين.

(*) هشام يحيى