حلف «الضعفاء»!

أسعد حيدر (المستقبل)

«التحالف الثلاثي» بين روسيا «القيصر» وإيران «المرشد»، وتركيا «السلطان»، إنكفاء وتراجع وتفتت والأرجح أنه وأد. لأنه حلف بين «الضعفاء». كل «ضعيف يريد أن يستقوي بالآخر، الذي بدوره يبحث عن سند له فلا يعينه. أقصى ما يمكن أن يحصل بين «الترويكا»، تفاهمات ثنائية قائمة على شراكة في المشاكل المؤقتة أو الدائمة، الحديثة منها والقديمة.

سوريا هي عقدة القطع والوصل بين أعضاء الـ«ترويكا الضعفاء». كل واحد منهم «إصابته» مختلفة في الزمان والمكان عن الآخر، لكن الثلاثة يتوجعون منها وبسببها بشكل أو بآخر. سوريا تحولت بعد خمس سنوات من الثورة والحروب، الى مولّد «لشياطين» القضايا والمشاكل القاتلة، التي يبدو حلها مستعصياً، لأن مصالح الأطراف المتحاربة متعارضة والخسارة فيها قاتلة. في سوريا اليوم هي الحرب ضد بقاء بشار الأسد الى الأبد، وفي الوقت نفسه ضد الشعب السوري الذي طالب بالحرية فتلقّى الرصاص وهو أعزل، وهي الحرب ضد «داعش» والأكراد وبينهم. الى ذلك في سوريا تصاغ موازين القوى التي كلُّ واحد منها،سواء كانت دولية أو إقليمية، يؤمن بأن موقعه في العالم الذي يتغيّر يؤخذ ولا يعطى.

إيران أعطت وتراجعت بأسرع مما أعطت. في الظاهر لم تتحمل طهران «استعراض» موسكو لاستخدامها قاعدة «نوجه» في همدان، خصوصاً وأنه «ينم عن عدم اكتراث». الإذن باستخدام الروس للمطار في همدان، جاء بعد اتصالات ومباحثات كان المرشد آية الله علي خامنئي وقائده العسكري الجنرال قاسم سليماني في قلبها. المرشد أدرك أن كل حشوده من «الحرس» و«حزب الله« والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية زائد الطيران السوري والروسي، لن تغيّر المعادلة ولم تمنحه الانتصار في فرض الحل الذي يريده وبدايته بقاء الأسد الى الأبد، فلجأ الى «القيصر» بوتين.

المرشد ما زال الولي الفقيه، لكنه أمام قضية قومية تمسّ السيادة الإيرانية، ويصبح أمر الوليّ الفقيه موضع مساءلة حتى لو لم يظهر المستتر الصاخب الى العلن. قبول المرشد بنزول جنود سواء كانوا طيارين أو تقنيين روساً على الأرض الايرانية مؤقتاً أو دائماً شكّل «صفعة» للقوميين الإيرانيين الموزعين على كل الأجنحة. النائب حشمت الله فلاحت بيشه الذي اعترض في «مجلس الشورى» دخل التاريخ الإيراني، لأنه أضاء الإشارة الحمراء أمام المرشد. ومما اضطره للتراجع عن تفاهماته مع «القيصر». لن تنتهي مشكلة القاعدة في همدان بهذا التراجع. لا بد من «كبش محرقة» حتى لا يبقى المرشد في الواجهة فيُسأل وهو ضعيف. ربما يتم تحميل الجنرال سليماني مسؤولية الاتفاق مع موسكو لأنه هو الذي يدير الحرب في سوريا. ليس بالضرورة أن تقع المساءلة اليوم أو غداً في إيران، كل شيء يتم «بالذبح بالقطنة».

كلام الرئيس حسن روحاني عن «أن استقرار المنطقة هو استقرار لإيران.. وندعو الى الصداقة مع دول الجوار الإسلامية والإقليمية»، هو في توقيته جزء من المواجهة المستترة والضمنية مع المرشد الرافضة لتوسيع دائرة المواجهة ولو عبر تحالفات مع موسكو خصوصاً أن منطق الثورة يرفضها (لا شرقية ولا غربية)، ومصالح الدولة تدينها لأن ذلك يبعد المصالحة مع واشنطن والغرب ويطيل فترة تعقيد المواقف التي تحول دون الرفع الكامل للعقوبات فوراً.

«القيصر» بوتين رغم كل قوته وتطرفه، وكأنه يملك الأرض كما السماء، ضعيف وضعفه يتزايد، لأنه في سباق مع الزمن. عليه تثبيت مواقعه قبل انتخاب رئيس أميركي جديد.

يعرف بوتين جيداً أن ما أخذه من باراك أوباما لن يثبته أو يأخذه مع هيلاري كلينتون ولا حتى دونالد ترامب. إضافة الى ذلك، فإنه في مواجهة اقتصاد يزداد ضعفه يوماً بعد يوم، يعرف أن واشنطن أوباما تعمل لاستنزافه في كل مرة يعتقد أنه أصبح البديل أو حتى الشريك لها.

الى جانب ذلك وهو الأهم، فإنه لا يستطيع الاعتماد على إيران «حليفة» له تعطيه بلا حساب، لأن لها حساباتها الاقليمية الآنية والطويلة المدى زائد حساسية تاريخية مع روسيا لا يمكن كما ثبت حتى المرشد أن يتجاوزها.

يبقى رجب طيب أردوغان، المربك من الداخل بسبب محاولة الانقلاب الفاشلة وتردداتها العميقة، لأن اقتلاع «غولن» وشبكاته ليس أمراً سهلاً ولا سريعاً. ومن الأكراد في سوريا وداخل تركيا. أردوغان مضطر حالياً لتقديم تنازلات مؤلمة لكن لا يمكن ولا يجب أن تكون انقلابية لأن لكل تنازل ثمنه داخلياً وخارجياً. لذلك فإن التحالف مع إيران له حدود حتى لو كانت مواجهة القضية الكردية مشتركة، وضرب «داعش» بعد أن اعتدت على الأمن الشعبي التركي واجبة، لكن كيف يمكن التوفيق بين ضرب الأكراد و»داعش» في وقت واحد؟. والمصالحة مع دمشق والتخلي عن المعارضة السورية في العملية نفسها؟!

مهما استقوى أعضاء «حلف الضعفاء» بعضهم ببعض، فإن صياغة تاريخ جديد للمنطقة لا تكتب إلا بالشراكة مع «أهلها«، وبالشراكة مع أقوى الأقوياء، الولايات المتحدة الأميركية، حتى إشعار آخر.