لماذا نشر خبر”تهديد جنبلاط” الآن؟

ناهي نصر الدين

أنباء الشباب

“داعش تريد قتل جنبلاط”… اللبنانيون يتناقشون ويتناقلون الخبر، تنتشر التحليلات، مع أخذ الحيطة والحذر… انه صباح الجمعة 19 آب ٢٠١٦،  جريدة “الأخبار” تنشر مقالا تحت عنوان: “داعش: هاجموا الدروز والمسيحيين واقتلوا جنبلاط!” . بين التصديق والتكذيب، لكل مواطن رأيه، في ظل انتظار الرد من النائب وليد جنبلاط. وفي المساء أتى الرد على ما نشر في الصباح. من حفل مدرسة العرفان في الشوف، قال جنبلاط: “أيا كانت رسالة التهديد، أكانت من قريب أو من بعيد، بعد هذا العمر نتكل على القدر وعلى الله”.

رد جنبلاط جاء بصيغةٍ شجاعة، معتبرا الخبر “تهديداً” وأيا كان التهديد من قريب أو بعيد. كعادته، ينتقي الكلمات بحنكة لإيصال الرسائل. رده، وضع أطراً للخبر ولكن فتح أفقاً في الفرضيات. وبالتالي من هو المستفيد الأول من نشر هكذا خبر؟

مقال “الأخبار” يتمحور حول الموحدين الدروز،  والمسيحيين، وتنظيم “داعش”. وبالتالي يبنى إطارين للموضوع، دور جنبلاط كزعيم درزي وتأثير هذا على “داعش”، والثاني واقع المسيحيين في لبنان وعلاقتهم بجنبلاط ومدى تهديدهم من “داعش” وعلى الصعيدين كان لجنبلاط عدة مواقف سابقة، تحدد مدى مصداقية الخبر.

وفي الإطار الأول لجنبلاط مواقف تجاه الأزمة السورية وتجاه “داعش” ودور بارز في حمايته للموحدين الدروز في سوريا. مما يلقي الضوء على مدى تهديد “داعش” للموحدين الدروز ودور جنبلاط في التصدي لهذا التهديد.

وليد جنبلاط، بالاضافة لكونه رئيساً للحزب التقدمي الاشتراكي، فهو زعيم لطائفة الموحدين الدروز التي شكلت دار المختارة مرجعاً سياسياً يمثلها في ظل المجتمعات الطائفية في الشرق الأوسط. ومن هذا المنطلق عمل جاهدا لحماية الطائفة الدرزية في سوريا، مع ثباته كمؤيد للثورة السورية ومعارض لنظام الأسد. وفي ظل كل التشرذمات كان له الدور الأبرز في حماية طائفته، ومن أبرز مواقفه بما يتعلق باغتيال الشيخ البلعوس.

أما عن مواقف جنبلاط تجاه “داعش”، وبما يتعلق بالثورة السورية فكانت مستنكرة التطرف دائماً بشكل ناقض للتنظيم، ولكن أغلب آراءه كانت تترافق بنقده ومعارضته الدائمة للنظام الأسدي. ومن مواقفه تغريداته على “تويتر” ومنها في ١٩ شباط ٢٠١٥،  “كفانا تنظيراً  إذ يبدو أن الاعلام الداعشي وتلك الطريقة بالتصوير، في مكان ما يعمل لننسى جرائم النظام السوري”، مشيرا “حتى هذه اللحظة، هناك أكثر من مليوني سوري بين قتيل وجريح و10 ملايين مهجر”.

سوريا

وفي تغريدة أخرى في 9 شباط 2015، كتب: “أنا حزين فقط لرؤيتي الدول العربية عاجزة، وما كان يعرف بمهد الحضارات، أي بلاد ما بين النهرين وسوريا تدمر منهجياً وتنهب من قبل مصاصي دماء “داعش” وجحافل قاسم سليماني، دون أن ننسى نيرون سوريا، بشار الاسد.

لا بدّ أن خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، سيف الإسلام، رفيق النبي، فاتح الجزيرة العربية، وبلاد ما بين النهرين وسوريا الرومانية، يشعر اليوم بالوحدة القاتلة.”

من مواقف جنبلاط تجاه الأزمة السورية ودوره في حماية الطائفة الدرزية في سوريا، نرى أن فكرة “اغتيال جنبلاط” لا قدر الله، لا تخدم “الداعشية” بشكل مباشر بقدر ما تخدم “المحور الممانع”. و ان كان جنبلاط حامي الدروز في سوريا، فالأحداث أبرزت أن جنبلاط كان حاميهم من التنظيمات المتطرفة والنظام السوري على حدٍ سواء. وبالنسبة لموقفه من “داعش” فهو الذي غرد “إن الاعلام الداعشي وتلك الطريقة بالتصوير، في مكان ما يعمل لننسى جرائم النظام السوري”. ولعلّ اذا سلمنا جدلاً بفرضية “الأخبار”، فمن الواضح أن نظرته لموضوع النظام السوري وظهور داعش، هي التي تقلق تنظيم الدولة.

أما في إطار واقع المسيحيين في لبنان، والرابط مع الزعيم وليد جنبلاط، كما ورد في المقال أن الهدف من الضربات هو تهجير المسيحيين والدروز.

واذا عمدنا التحدث عن فكرة تهجير، وان نظرنا لجميع عمليات التهجير للطوائف والقوميات عالميا، واذا نظرنا لمحاولات التهجير في سوريا بوجه الخصوص، فهي عندما كانت القوى المتطرفة تخوض معاركا مباشرة مع الأقليات، والأمر لا يقتصر على معركة أو اثنين بل هو حرب متواصلة، و ليس مجرد تفجيرات .

أما بما يتعلق بفكرة التهجير في لبنان، فان لبنان بتنوعه الطائفي ومراجعة الحرب الأهلية، فيتبين أن في ظل انقسام الطوائف في الداخل أيام لم تقدر أي طائفة على إلغاء أخرى. وبالإضافة لهذا، فانه رغم الانقسام السياسي والأزمات، وحتى بظل الانقسام الطائفي الآن، فان فكرة تهجير أي طائفة بعيدة عن المجتمع اللبناني وغير مقبولة ولا يمكن استثمارها في أي شريحة لبنانية. وخير مثال على ذلك هو تمسك جميع الأطراف بالمؤسسة العسكرية. ولذلك فكرة التهجير من خلال التفجيرات، وان قبلها المتطرفون، فسيقف بوجهها اللبنانيون جميعاً.

وان كان النقد لتلك الفكرة، هو أن المجتمع السوري كان شبيه للمجتمع اللبناني من حيث التنوع والتعايش فهذا صحيح. ولكن “داعش” لم تدخل سوريا وعملت على تهجير الأقليات قبل الثورة أو في الثورة حتى، فهي دخلتها بعد تحول الثورة لثورة مسلحة، ولم يقتصر الامر على “تسليح الثورة فقط”، بل اقتضى الأمر عدة مراحل أي بعد ظهور التنظيمات الاسلامية، وبعد تعاظم الأمر دخلت “داعش”. علما أن مقاتلي “داعش” بغالبيتهم غير سوريون. والمجتمع اللبناني عامة والمسلمين خاصة، بعيدين عن الفكر المتطرف وبالتالي لن تجد “داعش” أصلا من سيقوم بالتجهير في لبنان.

"داعش" يمنع الموسيقى والتدخين في الرقة بشمال سوريا

ان فكرة “تهجير المسيحيين والدروز من لبنان”، لا يمكن قبولها من منظور الوقائع والظروف السياسية الحالية. ولكن اضافة إلى نشرها تم ربطها بالنائب وليد جنبلاط، مما يدفع إلى البحث عن ما الذي دفع إلى إلقاء الضوء على جنبلاط والمسيحيين.

بعد مراجعة مواقف جنبلاط الأخيرة، نرى مساهمات عديدة في الحفاظ على التعايش المشترك ومساعي لاحتضان المسيحيين وخصوصا في الجبل، وكان آخر موقف لجنبلاط هو الأبرز، في تجديد مصالحة الجبل في ترميم كنيسة السيدة في المختارة. وبهذا سعي كبير لاحتضان المسيحيين من جديد، وخصوصا بعد التقاربات المسيحية الداخلية كان الموقف الأخير لاستكمال التقارب المسيحي ككل مع كامل مكونات الوطن. وبهذا كان الموقف تطوير الوحدة الوطنية من نطاق ضيق الى النطاق الوطني الأوسع.

وما يطرح التساؤلات ان كان موقف جنبلاط الوطني، هو ما دفع الى الربط بين التهديد الأمني وجنبلاط والمسيحيين معا”. أما الحلقة المفقودة في نشر الخبر فهي غياب توضيح من قبل القوى الأمنية. حيث أكدت “الأخبار” أن المعلومات هي من جهات أمنية. وبالتالي يجب ترقب الرد من قبل أي مصدر أمني وبشكل رسمي.

الدور الذي يلعبه الزعيم وليد جنبلاط على صعيد حماية الأقليات في لبنان وخارجه قد لا يرضي الكثير من القوى، وقد لا يرضيهم حتى الدور الذي يبنيه مع المسيحيين الذين يشكلون أقلية في هذا المشرق، وركن أساسي في لبنان. ومن هذا المنطلق التفكير في مدى مصداقية الخبر أو لتقليل الأهمية أمام الدور الذي لعبه وما زال يلعبه وليد جنبلاط. ولا بل يلقي الضوء على هذا الدور أكثر، ومن رد جنبلاط نرى أنه غير مهتم بمصدر التهديد حيث قال: “من قريب أو بعيد”، بل ما يهم جنبلاط هو الحفاظ على الدور الوطني العربي الذي يلعبه. ويبقى التساؤل لماذا نشر هكذا خبر الآن من قبل جريدة الأخبار خصوصاً، بعد تجديد مصالحة الجبل وفي ظل أزمة الرئاسة؟ ولماذا عدم رد القوى الأمنية رسميا” حتى الآن؟