رسالة الى الطفل عمران دقنيش – حلب – سوريا

د. كمال معوض (الأنباء)

عزيزي عمران،

تعرفت، كما الملايين في العالم، عليك من خلال شريط مصور كان شاهدا على مأساتك.

في تلك اللحظات التي تلت انتشالك من تحت ركام منزلك في حلب الشهباء،لم تكن تفكر في تلك الشهرة ولم تكن تسعى اليها على الأكيد.

ستبقى تلاحقك هذه اللحظات طوال حياتك. انفجار واحد كان كافيا ليقلب حياتك رأسا على عقب بعد ان تحولت جدران منزلك الى أثقال على جسدك الطري وأجساد عائلتك.

كانت الكاميرا ترصد صدمتك وذهولك. لست أدري أيا من المشاعر طغى عليك في تلك اللحظة.لكنك كنت تمسح الغبار والدم عن وجهك الطفولي ولم تسمح للدمعة أن تقفز من عينيك. هل كنت تفكر بحالك أم بحال أهلك وأخوتك؟ هل كنت تفكر بأخيك علي الذي يكبرك بخمس سنوات، وهل تساءلت إن كان قد أصبح في عداد الأموات، وقد أسلم الروح بعد ساعات؟

هل كنت تتساءل لماذا شاء القدر أن تولد على هذه البقعة من الكون ولم تعرف منذ ولادتك سوى أخبار المعارك والمآسي؟ هل تساءلت لماذا يعيش أطفال العالم طفولتهم ويلعبون ويمرحون ويذهبون الى المدرسة، بينما أنت مجبر على أن تلازم المنزل وأن تستمع مرغما عنك  الى أزيز الرصاص وصوت الانفجارات ونحيب الناس وآهات المعذبين في هذا الوطن الجريح؟

هل كنت تتساءل لماذا ترك العالم وطنك لقمة سائغة أمام إنفلات الغرائز؟هل قدر لك أن تشاهد من خلال شاشة تلفزيونية كيف يلهو الأطفال في عمرك وكيف يمرحون في الحدائق ويسيرون في الشوارع آمنين مطمئنين؟

عزيزي عمران،

إسمك صار على كل شفة ولسان ووجهك الناعم الصغير المغطى بالغبار والدم صار رمزا لبشاعة الحرب في وطنك سوريا. قبل سنة،كان ايلان، مواطنك الصغير،قد لفظه البحر على الشاطئ بعد أن حاول أهله إخراجه من مستنقع الموت السوري، وتحول طوال مدة الى رمز لعذاب الشعب السوري. لكن العالم، يا عزيزي عمران، لا يستفيق إلا بصعوبة على مآسينا ولا يلبث أن يعود الى دورة حياته العادية. ونحن في عالمنا العربي الذي لم يتسن لك أن تتعرف عليه، نغرق ونغرق في بحور من الدم والكراهية حتى أصبحنا نحتار من الأكثر إجراما، بين من يمسكون السلطة غصبا عن شعوبهم ومن يريدون أن يصلوا الى الجنة عبر إزهاق أرواح العدد الأكبر من البشر.

ايلان

ليس مفترضا أن تعنيك السياسة في عمرك، ولا يهمني كثيرا أن أعرف الولاء الفكري أو السياسي لأهلك.ما يهمني هو أن تستطيع، أنت وأترابك، أن تحيا طفولتك وأن تدخل هذه الحياة الصعبة مسلحا بالعلم والمعرفة وقبول الآخر.

عزيزي عمران،

لقد كنت محظوظا لأن الموت لم يحصدك لكن الوحشية سلبت منك طفولتك. كأنك عدت من الموت لتشهد على بشاعة الحرب وتحاول إيقاظ ضمير عربي وعالمي لفظ أنفاسه تحت الركام السوري.

قصص أترابك لا تصل كلها الى مسمع العالم ،ومعظمها يبقى جرحا لن يندمل في قلوب الأهل. وطنك السوري، وربما كل عالمنا العربي، تحول الى عبوة ناسفة مشحونة بالحقد والتعصب ومزروعة في أحشاء العالم. لم نعد جزءا من مستقبل هذا الكون، ونحتار بعد مشاهد الموت اليومي، أي مصير ينتظرنا بين النحر والإنتحار. تعبت حناجرنا من الصراخ حتى سكتت، أفكارنا تكلست ووضعت أحلامنا قيد الإعتقال فصرنا نتزاحم على قوارب الموت سعيا الى الوصول الى بر الأمان، بعيدا عن عالمنا العربي.

عزيزي عمران،

عندما شاهدتك تمرر أناملك على وجهك الصغير وتحاول إزالة الدم بخفر، كم أدركت أن عالمنا العربي بائس وأن العالم المتمدن متخاذل. لن يمكنك الزمن من النسيان. أتمنى فقط أن يساعدك على النضوج وفهم هذا العالم وأن يحصنك من الوقوع في مستنقع الكراهية وبراثن الضياع.

حاول أن تخرج من هذا الكابوس، عزيزي عمران، وعش طويلا واحلم كثيرا.