كاسر الأعراف والتقاليد

صلاح تقي الدين (المستقبل)

ليست المرة الأولى التي توجه فيها إلى رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط تهديدات بالقتل، أو المرة الأولى التي تُنشر فيها معلومات عن نصائح يتلقاها من الأجهزة الأمنية المحلية والدولية بضرورة أخذ الحيطة والحذر، لكنه وعلى عادته جاء ردّه من خلال الكلمة التي ألقاها في احتفال مؤسسة «العرفان التوحيدية» بالقول «الاتكال على القدر وعلى الله».

قدر وليد جنبلاط أن يتولى زعامة المختارة وهو في سن الثامنة والعشرين عقب الفاجعة التي أصابت الجبل ولبنان باغتيال الزعيم الشهيد كمال جنبلاط، الذي كان قدره أيضاً أن يتولى الزعامة عقب اغتيال والده فؤاد بك، لكن صغر سنه وهو لم يتجاوز السابعة في حينه حتّم على العائلة الجنبلاطية اختيار صهره حكمت بك جنبلاط كممثل لها إلى أن يصبح كمال في سن تسمح له تبوّؤ الزعامة، وهو استلمها وكان قد بلغ الخامسة والعشرين عقب وفاة حكمت بك في العام 1942.

ما سبق ليس للمقارنة لا بين الشخصيتين الاستثنائيتين في التاريخ السياسي اللبناني، ولا لتصوير الظروف التي حتمّت على كل منهما ارتداء عباءة الزعامة وهما في ريعان الشباب وتنقصهما «الخبرة» السياسية لقيادة ورسم مصير طائفة الموحدين الدروز، بل للإشارة إلى العادات والتقاليد التي ليست حكراً على الدروز فحسب، بل هي من سمات المجتمع السياسي اللبناني ككل. فالزعامة متوارثة والولاء لمتولّيها، عند الدروز كما عند شركائهم في الوطن، مسيحيين ومسلمين.

غير أن إعلان وليد جنبلاط منذ أكثر من عام استعداده لـ«التقاعد» من العمل السياسي وتسليم الأمانة لنجله تيمور، يعتبر بكل المقاييس، استثناءً في الحياة السياسية اللبنانية، وضرباً لكل الأعراف والتقاليد التي درجت عليها العائلات «السياسية» من مختلف الطوائف، وهو أقرن إعلانه بالعمل الفعلي حيث تخلّى في مرحلة أولى عن الاهتمامات الأسبوعية بشؤون الناس يومي السبت في المختارة والثلاثاء في كليمنصو لتيمور، وأشركه في معظم اللقاءات السياسية «الرئيسية» التي استمر في عقدها، كمقدمة ضرورية للانتقال إلى المرحلة الثانية التي بدأت تباشيرها في مطلع الأسبوع من خلال الزيارة التي قام بها برفقة وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور إلى السرايا حيث اجتمع إلى رئيس الحكومة تمام سلام.

وفي الداخل كما في الخارج، اصطحب جنبلاط «وريثه» في معظم الزيارات التي قام بها إلى الدول العربية والأوروبية، في ما يمكن اعتباره استكمالاً للمرحلة الثانية وتعريفه إلى حلقة المعارف والأصدقاء العرب والعالميين التي كوّنها.

يُعرف عن وليد جنبلاط أن لديه قدرة فائقة على التقاط الإشارات الداخلية والإقليمية والدولية التي يبني عليها مواقفه السياسية، ويتفق حلفاؤه والخصوم في آن على أن سعة اطلاعه وثقافته الواسعة وعلاقاته المتشعبة قلّ مثيلها، ولعلّه التقط إشارة معينة جعلته يمرّر في كلمته التي ألقاها خلال الاحتفال الذي أقامته مؤسسة «العرفان التوحيدية» في بلدة السمقانية الشوفية مساء الجمعة أنه «سلّم الأمانة لتيمور» ولعلّه بذلك يقول بالفم الملآن «حان الوقت لكي أتقاعد ويكمل الطريق تيمور»، ولن يجرؤ أحد على التساؤل عن التوقيت.

لقد ملأ جنبلاط الدنيا وشغل الناس، وكان قطب الحياة السياسية اللبنانية بلا منازع منذ تبوئه الزعامة في العام 1977 ولا يزال، ولم يتوان عن الاعلان مراراً بأنه «تعب من السياسة وأهلها» ويريد أن يقوم بما عجز عن القيام به بسبب المسؤوليات الجمّة التي كانت ملقاة على عاتقه، من رحلات استكشاف «فرعونية» ونزهات «ريفية» أوروبية، و«تأملات» هندية.

لم يُخف وليد جنبلاط يوماً أن كل مواقفه السياسية كانت محكومة بـ«الخصوصية الدرزية»، وأن هاجسه الأول والأخير كان ولا يزال المحافظة على هذه «الأقلية» وقيادتها إلى برّ الأمان في محيط التطورات والتقلّبات الخطيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وهو أسرّ إلى المقرّبين منه أن هذا هو «الدرس الأهم» الذي يجب على تيمور تعلّمه والعمل بموجبه.

قدر تيمور أن والده قرّر كسر التقاليد والأعراف اللبنانية عامة، والدرزية والجنبلاطية خاصة، وتسلّم أمانة «الزعامة» والتتلمذ على يديّ والده الذي «يحلم» كثيرون ممن يتعاطون الشأن العام في لبنان بـ«فرصة» محاورته والاستماع إلى آرائه السياسية واستشراف المستقبل من وجهة نظره التي ثبت غالباً، وفي معظم الأحيان أنها صائبة.

ولوليد جنبلاط أن يغتبط لأن تيمور على ما يبدو أثبت نجابة وفراسة ليستا غريبتين عليه، ستجعلان منه دون أدنى شكّ نموذجاً من الشباب الواعد القادر على استكمال المسيرة الوطنية والعروبية والقومية التي طبعت دار المختارة والسلالة الجنبلاطية، ومحظوظ أكثر لأنه سيشهد على ذلك.

يكفي أن تيمور أعلن مرة أنه «ليس كمال وليس وليد» وهذه بداية واعدة

اقرأ أيضاً بقلم صلاح تقي الدين (المستقبل)

ليت «عدوى» الجبل تصيب كلّ لبنان

لبنان على «رادار» الصحافة العالمية

عندما يعطى جرم سماحة «المؤبد» في بريطانيا!

هل تكون «كوباني» الجنوب السوري؟

الموحّدون في سوريا يُسقطون «السلاح» .. المشبوه

انهيار النظام السوري بات وشيكاً

أي رسائل أراد رئيس «التقدمي» توجيهها؟

تهديد رئيس «التقدمي» رسالة .. أخطأت العنوان

بين جنبلاط والحريري.. ونصرالله

يحق لـ «أبو تيمور» التقاعد.. ولكن

«الاشتراكي»: موقف وطني والتجاوب ضروري

تفاؤل بري الرئاسي دونه .. الحوار

جنبلاط لـ «المستقبل»: كيف أقف ضد السوريين الذين اختاروا إسقاط بشار؟

..عودة الدروز الى الجذور

تمديد التفاؤل من ساحة النجمة الى.. الساحة الحمراء

همّ الانتخاب من المختارة الى معراب

جنبلاط.. حراك في «أهرامات» الاعتدال

«ضربة المعلم» ترتد على.. نظامه

التمديد في مواجهة الشغور

رئيس «التقدمي» يثمّن عودة الحريري «لتعزيز الاعتدال»