هل للرأسمالية مستقبل؟

الرأسمالية ليست موقعأ محسوماً أو منطقة مالية يمكن أن تحكم جماهر ثائرة سيطرتها عليها أو يمكن مواجهتها حتى بمظاهرات تحمل شعارات مثالية. ولا هي مجرد مجموعة من السياسات “المحكمة” التي يمكن تبنيها وتصحيحها (كما تدعي افتتاحيات صحف الأعمال). بل على العكس تماماً الرأسمالية هى وهم إيديولوحي قديم للكثير من الليبيراليين والماركسيين تعرف ببساطة على أنها ما يساوي العمالة مقابل الأجر في اقتصاد السوق؟ لقد كان هذا هو التعريف الأساسي الذي اعتقدت جميع تلك الأطراف بصحته خلال القرن العشرين ونحن اليوم نتعامل مع تبعات نشأة الرأسمالية، كما أن التنسيق الاجتماعي من خلال الأسواق سيستمر بكل تأكيد حتى ولو لم يعد كونه تشكيلاً محددً تاريخياً للأسواق وبنيويات السلطة حيث يكون الربح الاقتصادي الخاص بأي وسيلة ممكنة هو الغاية العليا والمقياس الأمثل للنجاح. فإذا اعتمدنا هذا التعريف للرأسمالية. يمكن لنا التوصل إلى تنظيم مختلف ومرض بشكل أكبر للمجتمع الإنساني.

‏ هذا التعريف للرأسمالية هو ما اجتمع عليه خمسة باحثون في كتاب بعنوان: “هل للرأسمالية مستقبل” ناقشوا خلاله التحديات الفرص القادمة على أساس معرفتهم بعلم الاجتماع المتعلق بتاريخ العالم. وهؤلاء هم: إيمانويل والرستين، رائدال كولينو، مايكل مان، جورجي ديرلو غويان وكريغ كالهون.

‏وفي الكتاب يبين “إيمانويل والرستين” المنطق الكامن خلف توقعاته بانهيار النظام الرأسمالي (…)  فعبر القرون الخمسة الأخيرة كانت الرأسمالية هي نظام اقتصاد السوق السائد في العالم والقائم على هرمية طبقية واضحة حيث كانت نخبة مشغليه المتموضعن عادة في المركز الجفرافي لهذا النظام الاقتصادي في وضع يتيح لهم جني أرباح هائلة ومضمونة إلى حد كبير؛ لكن، وكما يقول والرستين،  فإن هذه الحالة التاريخية – بغض النظر عن ديناميكيتها – ستصل في نهاية الأمر إلى حدود النظام الذي تقوم عليه، كما هي الحال في جميع الأنظمة التاريخية. في هذه الفرضية ستنتهي الرأسمالية بإحباط الرأسماليين أنفسهم. أما “رائدال كولينز” فيركز في الكتاب على آلية أكثر تحديداً تتحدى مستقبل الرأسمالية والمتمثلة بالتبعات السياسية والاجتماعية، لتحوّل ما قد يصل الى ثلثي الطبقة الوسطى المتعلمة إلى عاطلين عن العمل – سواء في  الغرب أم على مستوى العالم كله – بسبب حلول تكنولوجيا المعلومات محلهم… أما “كربغ كالهون” فيأخذ النقاش في اتجاه معاكس تماماً قائلاً: إذا تم إصلاح الرأسمالية فمن الممكن إنقاذها. ثم يعود ويتوسع في شرح نقطة يعترف الجميع بصحتها، وهي أن الرأسمالية ليست مجرد اقتصاد سوق بل هي اقتصاد سياسي أيضاً حيث تحدد الخيارات السياسية شكل إطار عملها المؤسساتي. وأما “مايكل مان” فيفضل حلاً اجتماعياً ديموقراطياً لمشاكل الرأسمالية، ولكنه في الوقت عينه يعرض لمشاكل أعمق قه تنشأ من مصادر متعددة الأسباب للسلطة؛ فبالإضافة للرأسمالية تشمل هذه الأسباب: السياسية العسكربة والأيديولوجية وتعددية الأقاليم الدولية. بحسب رأي مان فإن تعقيدات كهذه تجعل مستقبل الرأسمالية أمراً صعباً… وأما “جورجي ديرلغويان ” فيطرح – وعلى أسس أكثر تجريبية – السؤال التالي: كيف سيبدو انهيار الرأسمالية الغربية المتقدمة؟ أو بشكل أكثر تحديداً: هل يمكن لثورة افتراضية مضادة للرأسمالية تتبع النمط التقليدي الذي جرى سنة 1917 أو هل ستتبع الحراكات المدنية التي أطاحت بالأنظمة الشيوعية شرق أوروبا سنة 1989‏؟… وأخيراً يتساءل كريغ كالهون: ما الذي يهدد الرأسمالية الآن؟