مستقبل سوريا: اخر محاولات للتسوية والا التقسيم
ناجي مصطفى (الأنباء)
17 أغسطس 2016
بدت دعوة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لمقاتلي المعارضة السورية في حلب لتسليم اسلحتهم وتحديد اربع طرقات امنة لهم للخروج من حلب مثيرة للاشمئزاز والغضب في آن، وكانت بمثابة الحافز والمحرض لقوى الثورة السورية المسلحة على التوحد في غرفة عمليات مشتركة وبدء معركة فك الحصار عن الاحياء الشرقية المحاصرة من المدينة.
فقد جاءت تلك التصريحات الروسية الاستعلائية سابقة حتى على دعوة تحمل المضمون ذاته لرئيس النظام السوري مرفقة بـ “بروباغندا” استعراضية مفبركة لوسائل اعلام النظام تظهر استسلام مقاتلين معارضين رافعي الايدي ومعصوبي الاعين يمرون امام جنود من الجيش، وذلك في محاولة للتأثير على معنويات مقاتلي المعارضة ودفعهم للاستسلام بعد سيطرة النظام وحلفائه الايرانيين على طريق “الكاستيلو” واحكام الحصار على الاحياء الشرقية من المدينة.
غير ان تلك التصريحات والمواقف اعطت مفاعيل معاكسة لرغبة مطلقيها، اذ ان النظام الذي كان قد استفاد الى حد كبير من شرذمة قوى المعارضة وتشتتها في مراحل سابقة من عمر الثورة، سرعان ما وجد نفسه بعد سيطرته على طريق “الكاستيلو” امام مشهد توحد الفصائل المعارضة وشروعها في فتح معركة على جبهة تمتد اكثر من عشرين كيلومترا، مما شكل له مفاجاة غير محسوبة اذ بدات المكتسبات التي كان قد حققها قبل ايام، بدعم غير مسبوق من حلفائه الايرانيين والروس، تتهاوى تباعا بحيث حققت المعارضة المسلحة خلال اقل من اسبوع اضعافها من الانجازات الميدانية نتيجة الهجمات القوية التي شنتها والتي سيطرت بموجبها على كليات عسكرية كثيرة في منطقة الراموسة تشكل المخزون الاستراتيجي للنظام في منطقة حلب واريافها.
والحال ان انتصارات المعارضة لا تقاس بالكيلومترات التي جرت استعادتها من النظام ولا بالاليات العسكرية الثقيلة او بالذخائر التي غنمها المقاتلون وحسب، بل بالانتكاسة التي اصابت الهيبة الروسية المتغطرسة التي زجت باحدث انواع طائراتها المقاتلة في المعركة اسنادا لحلفائها السوريين والايرانيين، رغم ان بوتين كان قد اعلن في اذار الماضي سحب غالبية قواته المشاركة في سوريا بعدما حققت روسيا، وفق زعمه، اهدافها من المشاركة الى جانب النظام، وهي تأمين تحكم الاخير بما اطلقت عليه وسائل الاعلام الروسية تسمية “سوريا المفيدة”.
لقد شكلت انتصارات المعارضة المسلحة في حلب والمتمثلة بفك الحصار عن احيائها الشرقية واعلانها المضي بالمعركة حتى تحرير كامل المدينة تعميقا لمازق النظام وحلفائه واعادة الاوضاع الى بداياتها، فالنظام الذي كان يوشك على السقوط في العام 2012 اتت مشاركة حزب الله في الحرب الى جانبه لتمده بالمصل اللازم للبقاء، وعندما كاد يوشك على السقوط مجددا في العام 2014 اتت المشاركة الايرانية المباشرة عبر الحرس الثوري والفصائل الشيعية العراقية والافغانية المؤتمرة بامرته لتطيل من عمره حتى العام 2015، ويوم ايقنت ايران صعوبة تامين الانتصار لحليفها الاسد،كانت زيارة القائد الايراني الجنرال قاسم سليماني الى موسكو لطلب العون العاجل من الروس، فجاءت المشاركة الحربية الروسية لتعدل في ميزان القوى العسكرية على الارض مؤقتا قبل ان تستعيد فصائل المعارضة السوريةزمام المبادرة من جديد فتستوعب الضغط العسكري الروسي وتبادر الى اطلاق المعركة الاخيرة في حلب بما اربك كامل المنظومة الحربية الروسية والايرانية والاسدية واصابتها بالصدمة والذهول.
اليوم ومع بدء التحضيرات لاطلاق جولة جديدة من المفاوضات ثمة ميزان قوى على الارض لا يمكن للمحور الروسي الايراني تجاوزه او انكاره ،فقبل معركة حلب ليس كما بعدها، ووفد المعارضة السورية الذي سيشارك في هذه الجولة، ان حصلت، سيكون مسلحا بورقة الانتصار الاخيرة في حلب. لقد اثبتت الوقائع الميدانية طول نفس الفصائل المسلحة للمعارضة وقدرتها على الصمود وعلى التنظيم ايضا، لا بل اكثر من ذلك وعلى استحواذ عنصر المباداة الميدانية سواء في حلب ام في الغوطة ام في ريفي ادلب وحماه، من هنا باتت كل الاطراف الدولية والاقليمية المعنية بالملف السوري تدرك انه في مقابل استخدام النظام لكل اوراقه العسكرية الذاتية او الحليفة فانه بالكاد يستطيع الحفاظ على ما اصطلح على تسميته بسوريا المفيدة، وان الوهن قد اصابه فيما لا تزال قوى المعارضة المسلحة فتية قادرة على الصمود وامتلاك زمام المبادرة رغم كل الاثمان الكبيرة التي تدفعها ومعها الشعب السوري نتيجة قصفه بالبراميل واسلحة التدمير المحرمة دوليا.
لا شك ان توازن القوى العسكرية على الارض واستحالة تحقيق النظام لاي انجاز ميداني وازن في مقابل تعذر ذلك ايضا امام قوى الثورة السورية بالنظر الى الامكانات الايرانية والروسية الهائلة الداعمة للنظام ناهيك عن المليشيات الطائفية التي تدور في فلك طهران، يجعل من الحل السياسي الخيار الاسلم للجميع وذلك على اساس قرارات جنيف واحد واثنين اللذين يتحدثان عن مرحلة انتقالية تنتقل فيها السلطة الى هيئة مؤقتة تشرف على اجراء انتخابات برلمانية حرة تتشكل السلطات على اساسها.
ولعل حركة الاتصالات الكثيرة التي حصلت وتحصل في الاونة الاخيرة بدءا من زيارة اردوغان الى روسيا ولقائه بوتين في سانت بترسبوغ الى زيارة جواد ظريف الى انقرة ولقائه بنظيره التركي والرئيس اردوغان ناهيك عن الاتصالات التي لم تنقطع بين وزيري الخارجية الاميركي والروسي كيري ولافروف والمترافقة مع تحركات للسيد دي مستورا للبحث في موضوع هدنة عسكرية طويلة الاجل وحديثه عن دعوة طرفي الازمة للاجتماع نهاية الشهر الجاري، كل ذلك يوحي بان ثمة شيئا يحضر في افق الازمة السورية، وما معارك حلب الاخيرة التي بداها النظام وردت عليها المعارضة الا محاولة من كل طرف للامساك باوراق جديدة يعزز بها موقعه وشروطه على طاولة المفاوضات القادمة.
في كواليس المطابخ الدولية ثمة من يتحدث عن سيناريوات حل باشراف دولي يشبه الى حد بعيد اتفاق الطائف اللبناني، رئيس علوي يطمئن الاقلية العلوية في سوريا المستقبل لكنه بلا سلطات فعلية حيث ان السلطة التنفيذية الفعلية تبقى بيد حكومة جامعة يراسها سني وتعبر بتكوينها عن التركيبة الديمغرافية للشعب السوري وانتخابات نيابية حرة يجري في ضوئها انتاج مجلس جديد للشعب يتولى سلطة التشريع بوصفه ممثلا للشعب ليس الا.
لكن السؤال يبقى ماذا عن تقسيم سوريا وماذا عن اشباه الدويلات الجاهزة لا سيما العلوية في الساحل والكردية في الشمال؟
في الخطة ألف التي تعمل عليها المطابخ الدولية ليس ثمة الآن مكان لتقسيم سوريا، هي تسوية يجري العمل عليها لابقائها موحدة وفق السيناريو الوارد اعلاه، وربما اذا ما فشل السيناريو المذكور يأتي دور الخطة باء التي تحمل تقسيم سوريا كخيار حتمي اخير مع ما يحمله ذلك من مخاطر كبيرة في ظل تداخل الديمغرافيا السكانية ومحاولة كل طرف تكريس دويلته ذات النقاء العرقي او الطائفي، وهنا مكمن الخوف ليس على سوريا وحدها بل على كل المنطقة التي شكلتها خرائط سايكس بيكو قبل نحو مئة عام من الآن.