مشوار الحوار

فيصل مرعي

في ظل الأوضاع المتفاقمة، وفي ظل وضع داخلي وإقليمي غير مريح، بدا أن جميع الفرقاء استبقوا عواقب الأمور، مطلقين المبادرات مهللّين للانفتاح السياسي، فاتحين اذرعتهم للحوار، داعين من جديد للجلوس إلى طاولة الحوار. ونحن هنا، لسنا بصدد التذكير بما جرى على طاولة الحوار سابقاً من التزامات وتعهدات كادت تجنّبنا مآسي وشروراً، لو تم التقيّد بها. وفي كل الحالات، ما من شيء بمتأخر. وها قد همّ الجميع لملاقاة بعضهم البعض في التنادي للحوار، مُبدين الرغبة والنيّة الصافية، تأكيداً لتوطيد العلاقة من جديد على قاعدة القضية والمصير، وعلى قاعدة بناء الدولة ومؤسساتها، رفعاً لهذا الكابوس عن اللبنانيين من أجل غدٍ مشرق، وإزاحة ليل بهيم. ولا شك، بأن الشيء لا يؤخذ إلا من مصادره. وهذا الكلام صادر عن أعلى المرجعيات السياسية الموثوقة، تعي تماماً ان المرحلة لم تعد لتتحمل المزيد من الغليان السياسي، والفلتان الأمني، ومن هذا الانفراد في القرارات السياسية، وإقامة متاريس جديدة. ونظراً، لهذا الانفتاح السياسي المنشود، الذي قد يفتح كوة الأمل، ليعيد لهذا البلد ألقه الفريد على كل الأصعدة والمستويات، والذي اتشح بالفوضى والخطر طوال ثلاث سنوات وسنوات.

ومن هنا، من حقنا نحن المواطنين، ان ننتظر ونترقب، ونسأل. لماذا الفرقاء كل الفرقاء يتخذون المبادرة فجأة، مادين اياديهم لبعضهم البعض، باحثين عن وسائل للحوار، لايجاد قواعد التسوية كما يشيرون ويلمحون، ومن ثم تعوند هذه النداءات والدعوات للحوار لتضمحّل سريعاً؟ والعجيب، ان الجميع يريدون اعادة صورة لبنان الحقيقية، ووهجه وديناميته، بعد مسلسل حافل بالأزمات منذ سنين وسنين، وبعد السير في مسلسل الفرز السياسي. فهل اقتنع الجميع بذلك قبل هبوب العاصفة، للانضمام إلى قافلة السلام؟ وهل عاد الجميع لترشيد خطابهم بعدما كان في أقصى درجات الانفعال والتوتر؟ الجميع يقولون: نعم، لقد دقت ساعة الحوار، وها نحن نقٌدم على ذلك في الوقت المناسب. منتظرين الفرصة للسير في عملية الحوار، انقاذاً لما يمكن إنقاذه، وتثمير ما يمكن تثميره. واذا كان الجميع جادين في الملاقاة عبر بوابة الحوار، فربما جاء ذلك في وقت نعتقد فيه ان الجميع سيحصدون ما حقّقوه من نتائج، لا سيما لجهة التهدئة، وتثبيت الأمن، وتعزيز الوحدة الوطنية. لقد ملَلْنا الحروب، وهذا الُعداء، والجفاء، فكان ما كان، وحصل ما حصل.

 فما من احد الا ويسعى للحوار، لا سيما اذا كان يهدف الى ردم هذه الهوة السحيقة بين ابناء المجتمع الواحد، واعادة اللحمة بين شرائح المجتمع، والتلاقي فيما بينها، والتنادي للوصول إلى قواسم مشتركة، بتقريب وجهات النظر، وإصلاح ما تهدّم. وإذا ما أردنا ان نذكر بمبادرات الحوار التي اطلقها قادة كبار، لوصل ما انقطع، ولترميم ما يمكن ترميمه، وإعادة الأمور إلى نصابها، فإن هذه المبادرات لم تلق آذاناً صاغية، ولم يكن هنالك يومذاك من سميع ولا مجيب. علماً ان هنالك اسباب موجبة لعقد طاولة الحوار، ومنها هذا الوضع الإقليمي المتفجر الذي قد ينعكس سوءاً على لبنان وعلى المنطقة برمّتها.

هيئة الحوار

 فكلما طال انعقاد طاولة الحوار، كلما تفسّخت صيغة العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، وضياع تسوية تاريخية ترسي قواعد العيش المشترك، وبالتالي بناء دولة القانون والمؤسسات. عند البدء بإطلاق عملية الحوار، لا يمكن تقديم إنجاز على إنجاز، ولا يمكن التفاخر والتعالي به، علماً ان اي انجاز لا يستطيع ان يقوم به فريق ما منفرداً، . فالجميع حققوا انجازات، ولو تلاقت هذه الإنجازات في المشروع الوطني العام، لأنجز الاستقلال التام، ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل. آملين حصوله في المدى القريب. فأي انتصار هو انتصار للجميع، وأي انجاز هو انجاز للجميع. إن هذه الإنجازات متوالدة من بعضها البعض. فلنبدأ رحلة الحوار، وان ما من شيء ينوء بثقله. وأن ما من أحد بصدد المواجهة. فلا مبرر بعد اليوم للتريث والتردد. فنحن  اللبنانيين صناع القرار.

 وعلى هذا، فإن دعوة الجميع للانفتاح والحوار، ربما تعني أكثر ما تعني، إعادة الأمور إلى طبيعتها، وتطبيع العلاقات مع جناحي قوتين كبيرتين في الحياة السياسية اللبنانية. فالمطلوب أولاً وأخيراً اقامة المصالحة الوطنية الكبرى، أي المصالحة مع الوطن فلا حل إلا بالحوار، وذلك لن يكون إلا برعاية الدولة، ومع الشرعية، وإذا كان الأمر غير ذلك، فأين نحن من قيامة لبنان في هذا الشرق الكبير؟ فلنبدأ الحوار، ولنمد جسور الثقة والرغبة في طيّ صفحة الماضي الأليم، فإلى مشوار الحوار لا غير.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…