روسيا في سورية والدلالات بالنسبة لإسرائيل: كيف يمكن دفع المصالح الإسرائيلية قدماً (5)

[تعالج هذه الدراسة، المكونة من خمسة أقسام، موضوع التدخل الروسي في الحرب الدائرة في سورية ودلالاته بالنسبة لإسرائيل. وهي تتناول:

أولاً:أهداف التدخل الروسي.

ثانياً:الجانب العسكري/ الدبلوماسي/ الدولي.

ثالثاً: الإنجازات والإخفاقات في كفتي الميزان.

رابعاً:علاقات روسيا مع اللاعبين الإقليميين والدوليين.

خامساً:  الانعكاسات على مصالح إسرائيل]

وقد نشرنا في أعداد سابقة من “المختارات” (5/8/2016) و(9/8/2016) و(10/8/2016) و(11/8/2016)  الأقسام الأول والثاني والثالث والرابع، وننشر فيما يلي القسم الخامس، وهو الأخير]

•طوال فترة الحرب الأهلية في سورية، حاولت إسرائيل أن تنأى بنفسها بقدر الإمكان عن الحرب. وامتنعت إسرائيل الرسمية عن دعم أي طرف في النزاع، وحتى لم تعبر علناً عن رأيها بالنسبة للحل المفضل لديها. واقتصرت سياسة إسرائيل في الميدان على الرد على مصادر النار من سورية، وعلى تقديم مساعدة إنسانية، ومنع تعزيز قدرات حزب الله بسلاح نوعي متطور.

•ومع تعاظم التدخل الروسي وتحوله إلى نشاط مباشر لقوات جوية، تصرفت إسرائيل بحذر شديد وحرصت على عدم الاشتباك مع الطائرات الحربية الروسية، وأخذت بالحسبان المظلة النارية لأنظمة الدفاع الجوي المتطورة التابعة للروس. وأرسى رئيس الحكومة نتنياهو لدى زيارته روسيا – برفقة رئيس هيئة الأركان العامة الإسرائيلي – أساساً لآلية تنسيق تكتيكي لتجنب الاشتباك (deconfliction)، ولتوضيح الخطوط الحمراء للدولتين، وربما أيضاً لبدء تفاهمات استراتيجية حول مستقبل سورية. والروس، من جانبهم، يقولون علنا إن لديهم فهم عميق للمصالح الإسرائيلية في سورية، وإن خطوات مستقبلية لروسيا في سورية لن تضر بأمن إسرائيل.

•حمل تدخل روسيا في الحرب الدائرة في سورية عددا من الجوانب الإيجابية لإسرائيل. أولاً، مساهمته في استقرار الوضع في سورية وفي إمكانية تسوية مستقبلية في البلاد. وإسرائيل، التي تنتهج سياسة حذرة، تفضل المحافظة على استقرار وعلى “عنوان واضح” على حدودها. وتستطيع روسيا أن تتوسط بين إسرائيل وبين المعسكر الشيعي عند اللزوم، وحتى أن تشكل عامل ضغط على هذا المعسكر، إذا عرفت إسرائيل كيف توضّح للروس فوائد لجمه. ثانياً، التنسيق مع روسيا أظهر مكانة إسرائيل كجهة موثوقة ومستقرة في المنطقة. ثالثاً، تفاهمات تكتيكية مع روسيا هي منطلق ممتاز لإقامة منظومة علاقات على المستوى الاستراتيجي بين الدولتين. وأخيراً، يبدو أيضاً أن دخول روسيا والدعم الذي تقدمه للمعسكر الشيعي يساهمان بطريقة غير مباشرة في تعزيز التعاون بين إسرائيل وبين دول سنية في المنطقة، وعلى رأسها العربية السعودية.

•وفي مقابل ذلك، من المهم أن ندرك أن هذه الخطوة الروسية تنطوي على قوة كامنة استراتيجية سلبية للغاية بالنسبة لإسرائيل. فقد أفضى التدخل الروسي إلى تعزيز المحور الشيعي الراديكالي بتواجده الإشكالي في منطقة متاخمة لحدود إسرائيل. إن تعزيز محور إيران – حزب الله – سورية، وجعله مجدداً القوة المهيمنة في سورية، وتزويده بوسائل قتالية متطورة ونوعية، ووضع استخبارات نوعية لرصد إسرائيل في تصرف المحور، وتحسّن المستوى القتالي لحزب الله – جميع هذه الأمور من شأنها أن تهدد أمن إسرائيل مستقبلاً. وتعزيز تواجد إيران وحزب الله في مرتفعات الجولان هو تطور استراتيجي سلبي بالنسبة لإسرائيل.

•وبالإضافة إلى ذلك، التدخل الروسي في الحرب جلب معه منظومات أسلحة متطورة إلى المنطقة. ومن المرجح أن جزءاً منها على الأقل سيبقى ضمن حدود سورية بعد إنتهاء الحرب، وسيضاف إلى منظومات الأسلحة الموجهة ضد إسرائيل. وكما يبدو فإن التدريبات والعقائد القتالية والخبرة العملانية الروسية لم تنقل فقط إلى الجيش السوري وإنما أيضاً إلى قوات أخرى تقاتل إلى جانب الأسد، ومن بينها حزب الله. وهكذا كسب حزب الله رفعا لمستوى قدراته في مجالات القيادة والتحكم، وقدرةً على تفعيل قوات على نطاق أوسع مما كان أمره عليه سابقاً عليه، والخبرة القتالية هجومية (مغايرة لقتاله الدفاعي التاريخي ضد إسرائيل). إن وصول وسائل قتالية متطورة إلى أيدي حزب الله، وخبرة قتالية اكتسبها التنظيم الشيعي، يرفعان مستوى المخاطر التي من المتوقع أن تواجهها إسرائيل في جولة القتال القادمة على الجبهة الشمالية.

•على ضوء هذا التطور السلبي يجدر درس ما يتوجب على إسرائيل فعله لتحسين وضعها الاستراتيجي. أولاً، يجب مواصلة بناء منظومة العلاقات الاستراتيجية الناشئة مع روسيا، وعلى هذه الأخيرة أن تعترف بخريطة المصالح والخطوط الحمراء الخاصة بإسرائيل فيما يتعلق بسورية ولبنان. كما أن عملية تشكيل سورية المستقبلية، التي ستكون روسيا لاعباً رئيسياً فيها، ينبغي أن تجري مع مراعاة موقف إسرائيل في موضوع الجولان، ومنع فتح جبهة إضافية من قبل حزب الله في جنوب سورية، وتقليص نفوذ الإيرانيين في سورية. ثانياً، ينبغي على إسرائيل أن توضح أنها ستواصل العمل عسكرياً عندما تتضرر مصالحها، وأساساً في حالات نقل سلاح نوعي إلى حزب الله، أو نشر قوات معادية في مرتفعات الجولان، أو استخدام أسلحة غير تقليدية. ثالثاً، ينبغي على إسرائيل أن تعزز التفاهمات مع العربية السعودية وتركيا بشأن مستقبل سورية، وبشأن أعمال استباقية ترمي إلى تعزيز جهات سنية معتدلة في سورية. رابعاً، بمستطاع إسرائيل أن تستخدم منظومة العلاقات الناشئة مع روسيا كرافعة من أجل ضمان كبح حزب الله. ومن شأن نشاط روسي كابح للحزب أن يقلص مخاطر عمليات مزعزعة للاستقرار من قبل حزب الله في المستقبل. وفي الختام، ينبغي أن تُسمع إسرائيل صوتها في القضية الأخلاقية المهمة. ذبح الشعب في سورية يجب أن يتوقف، وعلى إسرائيل أن تفعل المزيد من أجل وقف قتل الشعب علماً أن نظام الأسد هو المسبب الرئيسي له، وإن كان مدعوماً أيضاً من حلفائه، وذلك باستخدام وسائل إنسانية وحتى هجومية عند الضرورة، مع إشراك دول عربية وإسلامية برغماتية: تركيا، العربية السعودية، مصر والأردن.

•وثمة خطوات إسرائيلية ممكنة يجدر أن تشمل، بين جملة أمور، تقديم معلومات استخباراتية لإجراءات مستقبلية في المحكمة الجنائية الدولية عندما تنظر في موضوع جرائم الحرب الخطيرة التي يرتكبها الأسد ومؤيدوه منذ سنوات. كما أن إسرائيل ملزمة بدعم جميع الجهات الفاعلة الدولية (الدولتية أو الفوق – دولتية) التي تعمل جاهدة لحل سوري يستبدل الأسد ويقلص إلى حد أدنى من وجود إيران وحزب الله في سورية. وبالإضافة إلى ذلك، تستطيع إسرائيل أن تنشط بشكل فاعل في منطقة الحدود كي تضمن سيطرة جهات معتدلة على الأرض.

•وأبعد من هذه الخطوات، على إسرائيل أن تكون منخرطة بشكل مكثف أكثر في كل ما يتعلق بالمساعدة الإنسانية للسكان المدنيين في سورية. وذلك من خلال إمدادات غذائية، ومساعدة إنسانية، ومواصلة علاج جرحى الحرب الأهلية.

•وقصارى القول إن تعزيز المحور الراديكالي على الحدود الشمالية لدولة إسرائيل يستدعي مواصلة تطوير ركائز مفهوم الأمن القومي المحدثة في مواجهة جبهة شمالية معقدة ودينامية ومغايرة جداً عما عهدنا في الماضي، والتي يوجد في مركزها حضور عسكري روسي.

———————

(*)معهد دراسات الأمن القومي