أولمبياد الريو والحضارة وعرب ما قبل التاريخ

محمود الأحمدية

“النجاح سلالم لا تستطيع أن ترتقيها ويداك في جيبك”  (جورج اليوت)

مضت أيام على بدء أكبر تظاهرة رياضية كونية في البرازيل والمشاركون 206 (مايتان وستة) دول وعدد الميداليات يربو على التسعماية بين ذهبي وفضي وبرونزي ومع كل مسابقة يقف على المنصة الثلاثة الأوائل ويرتفع علم الأول مع نشيد دولته…

وبكل تواضع اعتبر نفسي أحد عشاق الرياضة والمتيمين بروعة الروح الرياضية وسموها ورفعة شأنها… وكم من أمم عظماؤها هُمُ رياضيوها وفنانوها وموسيقيوها ونحاتوها لأنهم بكل بساطة هم الباقون والآخرون يرحلون مع التاريخ في صفحة النسيان التي تأكل ذكرياتهم وفسادهم وعنجهيتهم وأموالهم… والتاريخ لا يرحم…

مثال صغير وأساسي: مَن الذي يسمع باسم رئيس جمهورية البرتغال ومن لا يسمع وعبر العالم كله باسم كريستيانو رونالدو البرتغالي الذي صفق له الكون كله وهو مكسور الرجل يهزم فرنسا في عقر دارها بكبر وعزة وعنفوان مَن يعبد بلده ويجلها…  الدموع مرت على عيون الملايين عندما رأت هذا الكوني واخلاصه لوطنه ونجاحه في شحذ همم فريق البرتغال في نيل شرف بطولة أوروبا… وكان له مع رفاقه ما أراد وما أرادوا وهو هزيمة فرنسا في المباراة النهائية في عقر دارها في باريس …

rio-2016

اثنان وعشرون دولة عربية تشارك وكأنهم من سكان كوكب آخر… لا أثر لهم… لا قيمة… لا ابداع… لا رؤيا… اللهم إلا عدة مناسبات في هذا الأولمبياد منهم الجودو رأيت هزيمتين لعربيين بطريقة مخجلة وأنا أعني ما أقول، خلال خمسين ثانية وفي الهزيمتين أحدهما سوري والآخر قطري كانت الهزيمة الساحقة بالتثبيت والأجمل بما لا يقاس عندما صعد في المباراة الثالثة الأماراتي (فيكتور) أي المجنس وكان خصمه عربي والحمدلله من اليمن وهزمه شر هزيمة وعندما أتى دوره في مباراة ثانية مع ياباني انهزم شر هزيمة ولحق بزملائه العرب وكأنهم تركوا بصمتهم الانهزامية على محياه من العِشرة!!

المضحك المبكي الجزائر وفريقها في كرة القدم والذي أذهل العالم في كأس العالم الأخيرة عندما كان الوحيد الذي هدد المانيا بقوة وكان على قاب قوسين من هزيمتها، هذا الفريق نفسه كان ظل نفسه وانهزم مرتين شر هزيمة في مجموعته وكان الفريق الأول الذي يغادر البرازيل وسط حزن عارم لكل برازيلي اصوله عربية…

هناك حوالي العشرين لعبة رياضية لا علاقة للعرب بها… ويعز علينا انه في حقل الابداع التاريخي العربي الفروسية، والرماية، والقوس والنشاب والركض في صحراء لا حدود لها، يعز علينا رؤية الهزائم تتوالى وكأننا قرود نقفز وسط بشر مثلنا!! وشعرت وحتى حدود اليأس بالحزن الذي يشعر به كل عربي في ديار المعمورة بأكملها… عربي يعني رديف لكل صفات الضعف والانهزامية والتقهقر… وفي هذا الأولمبياد الدولي تقهقه ضحكاً عندما يكون مثلا في رياضة السباحة يقول المعلق الرياضي عن احد السباحين العرب اذا وجد “ما علينا هو بياخذ خبرة وشرف له الوصول إلى الريو دي جينيرو” يا أخي لا تزيدوا في تعميق عقد الشعور بالنقص نحو الآخرين, ثلاثماية مليون عربي وبعد مضي خمسة أيام لا أثر لميدالية واحدة ولو برونزية والله (قبلانين فيها) …

تأملنا خيراً في أحد الرماة من الأخوة المصريين وكانت الهزيمة عنوانه وقد تعودنا عليها وتأملنا خيراً من سباح مصري وكانت الهزيمة من جديد…

بالبعد الأكاديمي وعند الدول التي تحترم نفسها، ما بين الاولمبياد والآخر اربع سنوات، في الدول الراقية التي تحترم شعوبها تبدأ الاستعدادات للاولمبياد الآتي بعد انتهاء الأخير… وتقام دورات ودراسات وبعثات وتمارين والبحث عن المواهب وتأهيلها… عند العرب بشكل عام وأقولها بدون تسطيح للأمور وبكل مسؤولية يستعدون قبل ثلاثة شهور من اقامة هذا الحدث الرياضي الضخم و (نيال) الذي سيذهب مع البعثات الرياضية فهناك التسلية والليالي الحمراء وعمرو ما يكون ميداليات طالما الشبع والتشبيح ضارب طنابو!!

في كتاب لموشي دايان يقول فيه حرفياً: (في مطلق شارع عربي عندما ترى في أحد الأيام ذيلا طويلا من الناس وحافلة تنتظر قدومهم وصعودهم اليها فرداً فرداً وبنظام, عندها أخاف على اسرائيل) وما يزال صوت الصهيونية غولدا مائير يجلجل شامتاً متعجباً عندما قالت: (عندما احرقنا القدس لم أنم طيلة الليل وتوقعت أن العرب سيأتون من كل حدب وصوب نحو اسرائيل, وعندما بزغ الفجر علمت وأيقنت أننا أمام أمة نائمة)

يعز علي أن أكتب ما كتبت ولكن أما آن الأوان لقيامة هذه الأمة التي تستحق بتاريخها أن يكون لها مكان تحت الشمس.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الأحمدية

القلم الحر والانتصار في زمن القهر

عصام أبو زكي… الرجل الأسطورة… بطل من بلادي

انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ونتائجه الكارثية

في الذكرى 43 معلومات جديدة مذهلة عن عالمية فريد الأطرش

كمال جنبلاط البيئي: سابق لعصره

من كمال جنبلاط إلى الربيع الصامت إلى فرنسا

مَنْ أَحقّ من فريد الأطرش بنيل جائزة نوبل للفنون

كمال جنبلاط البيئي سابق لعصره

كيف لوطن أن يشمخ وفيه كل هذا العهر في مسلسلاته

حرش بيروت تحت رحمة اليباس… والتاريخ لن يرحم

مواسم التفاح بين الحاضر والماضي… قصة عزّ وقهر!

مصنع الإسمنت في عين داره ونتائجه الكارثية على البيئة والإنسان

كمال جنبلاط البيئي  وثقافة المواطن الحر والشعب السعيد

مصنع الإسمنت في عين دارة: جريمة بيئية موصوفة

هل أحسنت؟ هل أخطأت؟ لا أعرف!!

حكايتي مع كرة القدم وفريق ليستر الانكليزي الذي هز اعتى الامبراطوريات

شكراً مسيو هولاند… أعطيتنا درساً في الحضارة والأخلاق!

غسان سلامة و”اليونسكو” وزواريب السياسة اللبنانية!

أنا علماني ولكني لي ملاحظاتي!

الدلع السياسي … إن لم نقل أكثر!!